ولما طال التحذير والزجر والتهويل في شأن اليتامى، وكان ذلك ربما أوجب النفرة من مخالطتهم رأساً فتضيع مصالحم ؛ وصل بذلك ما يبن أن لك خاص بالظالم في سياق موجب لزيادة التحذير فقال مؤكداً لما كان قد رسخ في نفوسهم من الاستهانة بأموالهم :﴿إن الذين﴾ ولما كان الأكل أعظم مقاصد الإنسان عبر به عن جميع الأغراض فقال :﴿يأكلون أموال اليتامى ظلماَ﴾ أي أكلاً هو في غير موضعه بغير دليل يدل عليه، فهو كفعل من يمشي في الظلام، ثم أتبعه ما زاده تأكيداً بالتحذير في سياق يدخلونها بأنفسهم :﴿وسيصلون﴾ أي في الآخرة - بوعيد حتم لا خلف فيه ﴿سعيراً *﴾ أي عظيماً هو نهاية في العظمة، وذلك هو معنى ابن عامر وعاصم بالبناء للمجهول، أي يجلئهم إلى صليها مجلىء قاهر لا يقدرون على نوع دفاع له.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٨
ولما تم ذلك تشوفت النفوس إلى بيان مقادير الاستحقاق بالإرث لكل واحد، وكان قد تقدم ذكر استحقاق الرجال والنساء من غير تقييد يتيم، فاقتضت البلاغة بيان أصول جميع المواريث، وشفاء العليل بإيضاح أمرها، فقال - مستأنفاً في جواب من كأنه سأل عن ذلك مؤكداً لما أمر به منها غاية التأكيد مشيراً إلى عظمة هذا العلم بالتقدم في الإيصاء في أول آياته، والتحذير من الضلال في آخرها، ورغب فيه النبي ﷺ بأنه نصف العلم، وحذر من إضاعته بأنه أول علم ينزع من الأمة :﴿يوصيكم الله﴾ أي بما له من العظمة الكاملة والحكمة البالغة، وبدأ بالأولاد لأن تعلق الإنسان بهم أشد فقال :﴿في أولادكم﴾ أي إذا مات مورثهم.
ولما كان هذا مجملاً كان بحيث يطلب تفسيره، فقال جواباً لذلك بادئاً بالأشرف بياناً لفضله بالتقديم وجعله أصلاً والتفضيل :﴿للذكر﴾ أي منهم إذا كان معه شيء من
٢١٩


الصفحة التالية
Icon