ولما بين حكمهما مع الأولاد تلاه بحالة فقدهم فقال :﴿فإن لم يكن له ولد﴾ أي ذكر ولا أنثى ﴿وورثه أبواه﴾ أي فقط ﴿فلأمه الثلث﴾ أي وللأب الباقي لأن الفرض أنه لا وارث له غيرهما، ولما كان التقدير : هذا مع فقد الإخوة أيضاً، بني عليه قوله :﴿فإن كان له إخوة﴾ أي اثنان فصاعدا ذكوراً أو لا، مع فقد الأولاد ﴿فلأمه السدس﴾ أي لأن الإخوة ينقصونها عن الثلث إليه، والباقي للأب، ولا شيء لهم، وأما الأخت الواحدة فإنها لا تنقصها إلى السدس سواء كانت وارثة أو لا، وكذا الأخ إذا كان واحداً، ثم بين أن هذا كله بعد إخراج الوصية والدين لأن ذلك سبق فيه حق الميت الذي جمع المال
٢٢٠
فقال :﴿من بعد وصية يوصي بها﴾ أي كما مندوب لكل ميت، وقدمها في الوضع على ما هو مقدم عليها في الشرع بعثاً على أدائها، لأن أنفس الورثة تشح بها، لكونها مثل مشاركتهم في الإرث لأنها بلا عوض ﴿أو دين﴾ أي إن كان عليه دين ولما كان الإنسان قد يرى أن بعض أقربائه من أصوله أو فصوله أو غيرهم أنفع له، فأحب تفضيله فتعدى هذه الحدود لما رآه، وكان ما رآه خلاف الحق في الحال أو في المآل، وكان الله تعالى هو المستأثر بعلم ذلك، ولهذا قال ﷺ :"أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماَ ما" الحديث : لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف شاء ؛ قال تعالى حاثاً على لزوم ما حده مؤكداً بالجملة الاعتراضية - كما هو الشأن في اعتراض - لأن هذه القسمة مخالفة لما كانت العرب تفعله، وهي على وجوه لاتدرك عللها :﴿أبآؤكم وأبنآؤكم﴾ أي الذين فضلنا لكم إرثهم على ما ذكرنا ﴿لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً﴾ أي من غيره، لأنه لا إحاطة لكم في علم ولا قدرة، فلو وكل الأمر في القسمة إليكم لما وضعتم الأمور في أحكم مواضعها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٩


الصفحة التالية
Icon