ولما كان فطم أنفسهم عن منع الأطفال والنساء شديداً عليهم لمرونهم عليه بمرور الدهور الطويلة على إطباقهم على فعله واستحسانهم له أتبعه سبحانه الترغيب والترهيب لئلا يغتر بوصف الحليم، فقال معظماً للأمر بأداة البعد ومشيراً إلى جميع ما تقدم من أمر المواريث والنساء واليتامى وغيره :﴿تلك﴾ أي هذه الحدود الجليلة النفع العظيمة الجدوى المذكورة من أول هذه السورة، بل من أول القرآن ﴿حدود الله﴾ أي الملك الأعظم، فمن راعاها - ولو لم يقصد طاعته، بل رفعاً لنفسه عن دناءة الإخلاد إلى الفاني ومعرة الاستئثار على الضعيف المنبىء عن البخل وسفول الهمة - نال خيراً كبيراً، فإنه يوشك أن يجره ذلك إلى أن يكون ممن يطيع الله ﴿ومن يطع الله﴾ الحائز لصفتي الجلال والإكرام ﴿ورسوله﴾ أي في جميع طاعاته هذه وغيرها، بالإقبال عليها وترك ما سواها لأجله سبحانه ؛ قال الأصبهاني :" من " عام ووقوعه عقيب هذه التكاليف الخاصة لا يخصصه.
ولما تشوف السامع بكليته إلى الخبر التفت إليه تعظيماً للأمر - على قراءة نافع وابن عامر بالنون - فقال :﴿ندخله جنات﴾ أي بساتين، وقراءة الجماعة بالياء عظيمة أيضاً لبنائها على الاسم الأعظم وإن كانت هذه أشد تنشيطاً بلذة الالتفات ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ أي لأن أرضها معدن المياه، ففي أي موضع أردت جرى نهر.
فهي لا تزال يانعة غضة، وجمع الفائزين بدخول الجنة في قوله :﴿خالدين فيها﴾ تبشيراً بكثرة الواقف عند هذه الحدود، ولأن منادمة الإخوان من أعلى نعيم الجنان.
٢٢٤