ولما شبه قبوله لها بالواجب من حيث إنه بها، لأنه لا يبدل القول لديه ؛ عبر بحرف الاستعلاء المؤذن بالوجب حثاً عليها وترغيباً فيها فقال :﴿على الله﴾ أي الجامع بصفات الكمال ﴿للذين يعملون السوء﴾ أيَّ سوء كان من فسق أو كفر، وقال :﴿بجهالة﴾ إشارة إلى شدة قبح العصيان، لا سيما الزنى من المشايخ، لإشعار السياق ترهيباً بأن الأمر فيهم ليس كذلك - كما صرح به النبي ﷺ فيما رواه البزار بإسناد جيد عن سلمان رضي الله عنه "ثلاثة لا يدخلون الجنة : اليخ الزاني، والإمام الكذاب، والعائل المزهو" وهو في مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر" وهو عن كثير من الصحابة من طرق كثيرة، وذلك لأن حضور الموت بالقوة القريبة من الفعل وإضعاف القوى الموهنة لداعية الشهوة قريب من حضوره بالفعل، وذلك ينبغي أن يكون مذهباً لداعية الجهل، ماحقاً لعرامة الشباب، سواء قلنا : إن المراد بالجهالة ضد الحلم، أو ضد العلم ؛ قال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي : قال أبو عبد الله - يعني القزاز : والجاهلية الجهلاء اسم وقع على أهل الشرك يكون مأخوذاً : استجهلت الريح الغصن - إذا حركته، فكأن الجهل إنما هو حركة تخرج عن الحق والعلم - انتهى.
فالمعنى حينئذ : يعملون السوء ملتبسين بسفه أو بحركة أو بحركة وخفة
٢٢٧
أخرجتهم عن الحق والعلم فكانوا كأنهم لا يعلمون - بعملهم عمل أهل الجاهلية الذين لا يعلمون، وزاد في التنفير من مواقعة السوء والتحذير بقوله :﴿ثم يتوبون﴾ أي يجددون التوبة.


الصفحة التالية
Icon