ولما نهي عن ذلك فنزعت النفوس عما كان قد ألف بهاؤه فلاح أنه في غاية القباحة وأ، الميل إليه إنما هو شهوة بهيمية لا شيء فيها من عقل ولا مروة، وكانت عادتهم في مثل ذلك مع التأسف على ارتكابه السؤال عما مضى منه - كما وقع في استقبال بيت المقدس وشرب الخمر ؛ أتبعه الاستثناء من لازم الحكم وهو : فإنه موجب لمقت من ارتكبه وعقابه فقال :﴿إلا ما قد سلف﴾ أي لكم من فعل ذلك في أيام الجاهلية كما قال الشافعي رحمه الله في الأم، قال السهيلي في روضه : وكان ذلك مباحاً في الجاهلية لشرع متقدم، ولم يكن من الحرمات التي انتهكوها.
ثم عل النهي بقوله :﴿إنه﴾ أى هذا النكاح ﴿كان﴾ أي الآن وما بعده كوناً راسخاً ﴿فاحشة﴾ أي والفاحشة لا
٢٣١
يقدم عليها تام العقل ﴿ومقتاً﴾ أي أشر ما يكون بينكم وبين ذوي الهمم لما انتهكتم من حرمة آبائكم ﴿وساء سبيلاً *﴾ أي قبح طريقاً طريقه.
ولما ابتدأ بتعظيم الآباء واحترامهم في أن ينكح الأبناء أزواجهم على العموم ثنى بخصوص الأم بقوله :﴿حرمت عليكم﴾ ولما كان أعظم مقصود من النساء النكاح، فكان إضافة التحريم إلى أعيانهن إفادة التأكيد غير قادح في فهمه، وكان مع ذلك قد تقدم ما يدل على أن المراد النكاح ؛ أسند التحريم إلى الذات تأكيداً للتحريم فقال :﴿أمهاتكم﴾ أي التمتع بهن بنكاح أو ملك يمين، فكان تحريمها مذكوراً مرتين تأكيداً له وتغليظاً لأمره في نفسه واحتراماً للأب وتعظيماً لقدره ﴿وبناتكم﴾ أي وإن سفلن لما في ذلك من ضرار أمهاتهن، وهذان الصنفان لم يحللن في دين من الأديان ﴿وأخواتكم﴾ أي أشقاء أو لا ﴿وعمّاتكم﴾ كذلك ﴿وخالاتكم﴾ أيضاً، والضابط لهما أن كل ذكر يرجع نسبك إليه فأخته عمتك، وقد تكون من جهة الأم وهي أخت أبي أمك ؛ وكل أنثى رجع نسبك إليها بالولادة فأختها خالتك، وقد تكون الخالة من جهة الأب وهي أخت أم أبيك ﴿وبنات الأخ﴾ شقيقاً كان أو لا ﴿وبنات الأخت﴾ أي كذلك، وفروعهن وإن سفلن.


الصفحة التالية
Icon