ولما قرر سبحانه وتعالى إرادته لصلاحهم ورغب في اتباع الهدى بعلمه وحكمته عطف على ذلك قوله :﴿واله﴾ بلطف منه وعظم سلطانه ﴿يريد﴾ إي بإنزاله هذا الكتاب العظيم وإرساله هذا الرسول الكريم ﴿أن يتوب عليكم﴾ أي يرجع لكم بالبيان الشافي عما كنتم عليه من طرق الضلال لما كنتم فيه من العمى بالجهل، وزادهم في ذلك رغبة بقوله :﴿ويريد الذين يتبعون﴾ أي على سبيل المبالغة والاستمرار ﴿الشهوات﴾ أي من أهل الكتابين وغيرهم كشاش بن قيس وغيره من الأعداء ﴿أن تميلوا﴾ أي عن سبيل الرشاد ﴿ميلاً عظيماً *﴾ أي إلى أن تصيروا إلى ما كنتم فيه من الشرك والضلال، فقد أبلغ سبحانه في الحمل على الهدى بموافقة الولي المنعم الجليل الذي لا تلحقه شائبة نقص، ومخالفة العدو الحسود الجاهل النازل من أوج العقل إلى حضيض طباع البهائم.
ولما كان الميل متعباً لمرتكبه أخبرهم أن علة بيانه للهداية وإرادته التوبة الرفق بهم فقال :﴿يريد الله﴾ أي وهو الذي له الجلال والجمال وجميع العظمة والكمال ﴿إن يخفف عنكم﴾ أي يفعل في هذا البيان وهذه الأحكام فعل من يريد ذلك، فيضع عنكم الآصار التي كانت على من كان قبلكم الحاملة على الميل، ويرخص لكم في بعض الأشياء كنكاح الأمة - على ما تقدم، ودل على علة ذلك بالواو العاطفة ؛ لأنكم خلقتم ضعفاء يشق عليكم الثقل ﴿وخلق الإنسان﴾ أي الذي أنتم بعضه ﴿ضعيفاً *﴾ مبناه الحاجة، فهو لا يصبر عن النكاح ولا غيره من الشهوات، ولا يقوى على فعل شيء إلا بتأييد منه سبحانه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٥