ولما كان المال عديل الروح ونهى عن إتلافه بالباطل، نهى عن إتلاف النفس، لكون أكثر إتلافهم لها بالغارات لنهب الأموال وما كان بسببها وتسبيبها على أن من أكل ماله ثارت نفسه فأدى ذلك إلى الفتن التي ربما كان آخرها القتل، فكان النهي عن ذلك أنسب شيء لما بنيت عليه السورة من التعاطف والتواصل فقال تعالى :﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ أي حقيقة بأن يباشر الإنسان قتل نفسه، أو مجازاً بأن يقتل بعضكم بعضاً، فإن الأنفس واحدة، وذلك أيضاً يؤدي إلى قتل نفس القاتل، فلا تغفلوا عن حظ أنفسكم من الشكر فمن غفل عن حظها فكأنما مثلها، ثم علله بما يلين أقسى الناس فقال :﴿إن الله﴾ أي مع ما له من صفات العظمة التي لا تدانيها عظمة ﴿كان بكم﴾ أي خاصة حيث خفف عليكم ما شدده على من كان قبلكم ﴿رحيماً *﴾ أي بليغ الرحمة حيث يسر لكم الطاعة ووفقكم لها فأبلغ سبحانه الترغيب في الامتثال ؛ ثم قال ترهيباً من مواقعة الضلال :﴿ومن يفعل ذلك﴾ أي المنهي عنه من القتل وغيره العظيم الإبعاد عن حضرات الإله ﴿عدواناً وظلماً﴾ أي بغير حق، وعطفه للوصف بالواو يدل على تناهي كل منهما، هذا مع ما أفهمه صفة الفعلان من المبالغة، فكان المراد العدو الشديد المفرط المتجاوز للحدود الناشيء عن العهد وتناهي الظلم الذي لا شائبة فيه للحق ﴿فسوف نصليه ناراً﴾ أي ندخله إياها بوعيد لا خلف فيه وإن طال إمهاله ﴿وكان ذلك﴾ ي الأمر العظيم الذي توعد به ﴿على الله﴾ أي الذي له الجلال والجمال ﴿يسيراً *﴾ أي لأنه لا ينقصه من مكله شيئاً، ولا يمنع منه مانع.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٥
ولما بين تعالى ما لفاعل ذلك تحذيراً، وكان قد تقدم جملة من الكبائر، أتبعه ما للمنتهي تبشيراً جواباً لمن كأنه قال : هذا للفاعل فما للمجتنب ؟ فقال على وجه عام :﴿إن تجتنبوا﴾ أي تجهدوا أنفسكم بالقصد الصالح في أن تتركوا تركاً عظيماً وتباعدوا
٢٤٦