و لما عرف بالصالحات لاستحقاق الانفاق في اللوازم أتبعه حكم غيرهم فقال :﴿والتي تخافون نشوزهن﴾أي ترفعهن عليكم عن الرتبة التي أقامهن الله بها، وعصيانهن لكم فيما جعل الله لكم من الحق، وأصل النشوز : الانزعاجفي ارتفاع، قال الشافعي : دلالات النشوز قد تكون قولا، وقد تكون فعلا، فالقول مثل أن كانت تلبية اذا دعاها، وتخضع له بالقول اذا خاطبها، ثم تغيرت، والفعل مثل أن كانت تقوم له أذا دخل اليها أو كانت تسارع الى امره، وتبادر الى فراشه باستبشار اذا التمسها، ثم اذا تغيرت فحينئذ ظن نشوزها ومقدمات هذه الاحوال توجب خوف النشوز ﴿فعظوهن ﴾أي ذكروهن من ىأملر الله بما يصدع قلوبهن ويرققها ويخيفهن من جلال الله.
٢٥٢
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥١
ولما كثرت في هذه السورة الوصايا من أولها إلى هنا بنتيجة التقوى : العدل والفضل، والترغيب في نواله، والترهيب من نكاله - إلى أن ختم ذلك بإرشاد الزوجين إلى المعاملة بالحسنى، وختم الآية بما هو في الذروة من حسن الختام من صفتي العلم والخبر، وكان ذلك في معنى ما ختم به الآية الآمرة بالتقوى من الوصف بالرقيب، اقتضى ذلك تكرير التذكير بالتقوى التي افتتحت السورة بالأمر بها، فكان التقدير حتماً : فاتقوه ؛ عطف عليه، أو على نحو ﴿وسئلوا الله من فضله﴾ [النساء : ٣٢] أو على ﴿اتقوا ربكم﴾ الخُلق المقصود من الخلق المبثوثين على تلك الصفة، وهو العبادة الخالصة التي هي الإحسان في معاملة الخالق، وأتبعها الإحسان في معاملة الخلائق فقال :﴿واعبدوا الله﴾ أي أطيعوا - الذي له الكمال كله فلا يشبهه شيء - طاعة محضة من غير شائب خلاف مع الذل والانكسار، لأن ملاك ذلك كله التعبد بامتثال الأوامر واجتناب الزواجر.
ولما كان سبحانه غنياً لم يقبل إلا الخالص، فقال مؤكداً لما أفهمه ما قبله :﴿ولا تشركوا به شيئاً﴾ ولما أمر للواحد الحقيقي بما ينبغي له، وكان لذلك درجتان : أولاهما الإيمان،


الصفحة التالية
Icon