ولما ذكر ضلالهم المتضمن لإضلالهم، أتبعه ما يدل على إعراقهم فيه، فقال مخاطباً لمن يمكن توجيه هممهم بإضلال إليه :﴿ويريدون أن تضلوا﴾ أي ياأيها الذين آمنوا ﴿السبيل *﴾ حتى تساووهم، فلذلك يذكرونكم بالأحقاد والأضغان والأنكاد - كما فعل شاس - لا محبة فيكم، ويلقون إلأيكم الشبهة، فالله سبحانه وتعالى أعلم بهم حيث حذركم منه بقوله ﴿لا يالونكم خبالاً﴾ [آل عمران : ١١٨] وما بعده إلى هنا ﴿والله﴾ أي المحيط علمه وقدرته ﴿أعلم﴾ أي من كل أحد ﴿بأعدائكم﴾ أي كلهم هؤلاء وغيرهم، بما يعلم من البواطن، فمن حذركم منه كائناً من كان فاحذره.
ولما كان كل من قبيلتي الأنصار قد والوا ناساً من اليهود ليعتزوا بهم وليستنصروهم، قال تعالى فاطماً لهم عن موالاتهم :﴿وكفى﴾ أي والحال أنه كفى به هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر الاسم الأعظم لتستحضر عظمته، فيستهان أمر الأعداء فقال :﴿بالله ولياً﴾ أي قريباً بعمل جميع ما يفعله القريب الشفيق.
ولما كان الولي قد تكون فيه قوة النصرة، والنصير قد لا يكون له شفقة الولي، وكانت النصرة أعظم ما يحتاج إلى الولي فيه ؛ أفردها بالذكر إعلاماً باجتماع الوصفين مكرراً الفعل والاسم الأعظم اهتماماً بأمرها فقال :﴿وكفى بالله﴾ أي الذي له العظمة
٢٦٢
كلها ﴿نصيراً *﴾ أي لمن والاه فلا يضره عداوة أحد، فثقوا بولايته ونصرته دونهم، ولا تبالوا بأحد منهم ولا من غيرهم، فهو يكفيكم الجميع.