وقد آتاهم الله سبحانه وتعالى جميع أنواع الملك، فإنه على ثلاثة أقسام : ملك على الظواهر والبواطن معاً، وهو للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما لهم من غاية الجود والكرم والرحمة والشفقة والشفاعة والبر واللطف التي كل منها سبب للانقياد، وذلك مع ما لهم بالله سبحانه وتعالى من تمام الوصلة ؛ وملك على الظواهر فقط، وهو ملك الملوك ؛ وملك على البواطن فقط، وهو ملك العلماء.
ولما ذمهم سبحانه وتعالى أولاً بالجهل ومدح النفس تشبعاً بما لم يعطوا، وذلك سبب لجميع النقائص، وثانياً بأعظم منه : منع الحق من أهله بخلاً، وثالثاً بأعظم منهما : تمنى ألا يصل إلى أحد نعمة وإن كان لا تنقصهم، فحازوا بذلك أعلى خلال الذم، وكانت المساوي تضع والمحاسن ترفع، تسبب عن هذا توقع السامع لإعلاء العرب وإدامة ذل اليهود وموتهم بحسدهم فقال :﴿فقد﴾ أي فتسبب عن هذا وتعقبه أنَّا آتيناهم - هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر للتنبيه على التوصيف الذي شاركوهم به في استحقاق الفضائل فقال :﴿آتينا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿آل إبراهيم﴾ أي الذي أعلمانكم في كتابكم أنا أقسمنا له أنَّا نعز ذريته ونهديهم ونجعل ابنة إسماعيل حالاً على جميع حدود إخوته، ويده في جميع الناس ويده على كل أحد ويد كل به ﴿الكتاب﴾ أي الذي لا كتاب إلا هو لما له من الحفظ والفضل بالإعجاز والفصل ﴿والحكمة﴾ أي النبوة التي ثمرتها العمل المتقن بالعلم المحرر المحكم ﴿وآتيناهم﴾ مع ذلك ﴿ملكاً
٢٦٨
عظيماً *﴾ أي صخماً واسعاً باقياً إلى أن تقوم الساعة ﴿فمنهم﴾ أي من آل إبراهيم ﴿من آمن به﴾ وهم أغلب العرب ﴿ومنهم من صد عنه﴾ أي أعرض بنفسه، وصد غير كبني إسرائيل وبعض العرب.