ولما كان هذا أمراً لم يعهد مثله، دل على قدرته عليه بقوله :﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿كان﴾ ولم يزل ﴿عزيراً﴾ أي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ﴿حكيماً *﴾ ـي يتقن صنعه، فجعل عذابهم على قدر ذنوبهم، لأن عزائمهم كانت على دوامهم على ما استحقوا به ذلك ما بقوا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٩
ولما ذكر الترهيب بعقاب الكافرين أتبعه الترغيب بثواب المؤمنين فقال :﴿والذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان ﴿وعملوا﴾ بياناً لصدقهم فيه ﴿الصالحات سندخلهم﴾ أي بوعد لا خلف فيه، وربما أفهم التنفيس لهم بالسين دون سوف - كما في الكافرين - أنهم أقصر الأمم مدة، أو أنهم أقصرهم أعماراً إراحة لهم من دار الكدر إلى محل الصفاء، وأنهم يدخلون الجنة قبل جميع الفرق الناجية من أهل الموقف ﴿جنات﴾ أي بساتين، ووصفها بما يديم بهجتها ويعظم نضرتها وزهرتها فقال :﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ أي إن أرضها في غاية الريّ، كل موضع منها صالح لأن تجري منه نهر.
ولما ذكر قيامها وما به دوامها، أتبعه ما تهواه النفوس من استمرار الإقامة بها فقال :﴿خالدين فيها أبداً﴾ ولما وصف حسن الدار ذكر حسن الجار فقال :﴿لهم فيها أزواج﴾ والمطرد في وصف جمع القلة لمن يفضل الألف والتاء، فعدل هنا عن ذلك إلى الوحدة لإفهام أنهن لشدة الموافقة في الطهر كذات واحد فقيل :﴿مطهرة﴾ أي متكرر طهرها، لا توجد وقتاً وكانت الشمس تنسخ الظل فتخرج إلى التحول إلى مكان آخر، وربما آذى حرها، أمّن من ذلك فيها بقوله :﴿وندخلهم﴾ أي فيها ﴿ظلاً﴾ أي عظيماً، وأكده بقوله ﴿ظليلاً *﴾ أي متصلاً لا فرج فيه، منبسطاً لا ضيق معه دائماً لا تصيبه الشمس يوماً ما، ولا حر فيه ولا برد، بل هو في غاية الاعتدال.


الصفحة التالية
Icon