ولما بين زيغهم بين أن نسبة خوضهم فيما لا يمكنهم علمه فقال :﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿يعلم﴾ في الحال وعلى القطع ﴿تأويله﴾ قال الحرالي : هو ما يؤول إليه أمر الشيء في مآله إلى معاده ﴿إلا الله﴾ أي المحيط قدرة وعلماً، قال : ولكل باد من الخلق مآل كما أن الآخرة مآل الدنيا ﴿يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق﴾ [الأعراف : ٥٣] لذلك كل يوم من أيام الآخرة مآل للذي قبله، فيوم الخلود مآل يوم الجزاء، ومآل الأبد مآل يوم الخلود ؛ وأبد الأبد مآل الأبد، وكذلك كل الخلق له مآل يوم الجزاء، فأمر الله مآل خلقه وكذلك الأمر، كل تنزيل أعلى منه مآل التنزيل الأدنى إلى كمال الأمر، وكل أمر الله مآل من أسمائه وتجلياته، وكل تجل أجلى مآل لما دونه من تجل أخفى، قال عيه الصلاة والسلام :﴿فيأتيهم ربهم في غير الصورة التي يعرفونها ـ الحديث إلى قوله : أنت ربنا﴾ فكان تجليه الأظهر لهم مآل
٢٤
تجليه الأخفى عنهم ؛ فكان كل أقرب للخلق من غيب خلق وقائم أمر وعلى تجل إبلاغاً إلى ما وراءه ـ فكان تأويله، فلم تكن الإحاطة بالتأويل المحيط إلا لله سبحانه وتعالى.
ولما ذكر الزائغين ذكر الثابتين فقال :﴿والراسخون في العلم﴾ قال الحرالي : وهم المتحققون في إعلام العلم من حيث إن الرسوخ ـ النزول بالثقل في الشيء الرخو ـ ليس الظهورعلى الشيء، فلرسوخهم كانوا أهل إيمان، ولو أنهم كانوا ظاهرين على العلم كانوا أهل إيقان، لكنهم راسخون في العلم لم يظهروا بصفاء الإيقان على نور العلم، فثبتهم الله سبحانه وتعالى عند حد التوقف فكانوا دائمين على الإيمان بقوله :﴿يقولون آمنا به﴾ بصيغة الدوام ـ انتهى أي حالهم في رسوخهم.
ولما كان هذا قسيماً لقوله :﴿وأما الذين في قلوبهم زيغ﴾ كان ذلك واضحاً في كونه ابتداء وأن الوقوف على ما قبله، ولما كان هذا الضمير محتملاً للمحكم فقط قال :﴿كل﴾ أي من المحكم والمتشتبه.