ولما تم ذلك على هذه الوجوه الظاهره التي أوجبت اليقين لكل منصف بأنهم مغلوبون وصل بها أمره وهو الحبيب العزيز بأن يصرح لهم بمضمون ذلك فقال :﴿قل للذين كفروا﴾ أي من أهل زمانك جرياً على منهاج أولئك الذين أخذناهم ﴿ستغلبون﴾ كما غلبوا وإن كنتم ملأ الأرض لأنكم إنما تغالبون خالقكم وهو الغالب لكل شيء :" وليُغلَبنّ مُغالبُ الغَلاّب " واللام على قراءة الجمهور بالخطاب معدية، وعلى قراءة الغيب معللة، أي قل لأجلهم، أو هي بمعنى عن، أي قل عنهم، وقد أفهم الإخبار بمجرد الغلبة دون ذكر العذاب كما كان يذكرفي تهديد من قبلهم أن أخذهم بيد المغالبة والمدافعة والنصرة تشريفاً لنبيهم لأنه عرض عليه عذابهم فأبى إلا المدافعة على سنة المصابرة، فكان أول ذلك غلبته على مكة المشرفة، وكان فتحها فتحاً لجميع الأرض لأنها أم القرى ـ نبه على ذلك الحرالي.
﴿وتحشرون﴾ أي تجمعون بعد موتكم أحياء كما كنتم قبل الموت ﴿إلى جهنم﴾ قال الحرالي : وهي من الجهامة، وهي كراهه المنظر ـ انتهى ؛ فتكون مهادكم، لا مهاد لكم غيرها ﴿وبئس﴾ أي الحال أنها بئس ﴿المهاد﴾.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦
ولما كان الكفرة من أهل الكتاب وغيرهم من العرب بمعرض أن يقولوا حين قيل لهم ذلك : كيف نغلب وما هم فينا إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ؟ قيل لهم : إن كانت قصة آل فرعون لم تنفعكم لجهل أو طول عهد فإنه ﴿قد كان لكم آية﴾ أي عظيمة بدلالة تذكير كان ﴿في فئتين﴾ تثنية فئة ـ للطائفة التي يفيء إليها ـ أي يرجع ـ من يستعظم شيئاً، استناداً إليها حماية بها لقوتها ومنعتها ﴿التقتا﴾ أي في بدر ﴿فئة﴾ أي منهما مؤمنة، لما يرشد إليه قوله :﴿تقابل في سبيل الله﴾ أي الملك الأعلى لتكون كلمة الله هي العليا، ومن كان كذلك لم يكن قطعاً إلا مؤمناً ﴿وأخرى﴾ أي منهما ﴿كافرة﴾ أي تقاتل في سبيل الشيطان، فالآية كما ترى منوادي الاحتباك، وهو أن يؤتى بكلامين
٣١


الصفحة التالية
Icon