وهذا التقليل والتكثير واقع بحسب أول القتال وآخره، وقبل اللقاء وبعده، لما أراد الله سبحانه وتعالى من الحكم كما في آية الأنفال، والمعنى : إنا فاعلون بكم أيها الكفارعلى أيديهم ما فعلناه بأولئك، وقد كانوا قائلين أعظم من مقالاتكم، فلم تغن عنهم كثرتهم شيئاً، ولا شدة شكيمتهم ونخوتهم فإن الله سبحانه وتعالى ولي المؤمنين لطيبهم ﴿قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث﴾ [المائدة : ١٠٠].
ولما كان التقدير : فنصر الله سبحانه وتعالى الفئة القليلة، عطف عليه قوله :﴿والله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿يؤيد﴾ والأيد تضعيف القوة الباطنة ﴿بنصره﴾ قال
٣٢
الحرالي : والنصر لا يكون إلا لمحق، وإنما يكون لغير المحق الظفر والانتقام انتهى.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١
من يشاء﴾ أي فلا عجب فيه في التحقق، فلذلك اتصل به قوله :﴿إن في ذلك﴾ أي الأمر الباهر، وفي أداة البعد ـ كما قال الحرالي ـ إشارة بعد إلى محل علو الآية ﴿لعبرة﴾ قال : هي المجاوزة من عدوة دنيا إلى عدوة قصوى، ومن علم أدنى إلى علم أعلى، ففي لفظها بشرى بما ينالون من ورائها مما هو أعظم منها إلى غاية العبرة العظمى من بدر ثلاثمائة ثلاثة عشر، فهو غاية العبرة لمن له بصر نافذ ونظر جامع بين البداية والخاتمة ﴿كما بدأنا أول خلق نعيده﴾ [الأعراف : ١٠٤] - انتهى.
﴿لأولي الأبصار *﴾ أي يصيرون بها من حال إلى أشرف منها في قدرة الله وعظمته وفعله بالاختيار.