الناس الذين خوطبوا أو تلك الأهلوا لأول أسنان الإيمان ووصفوا بما هم محتاجون إليه، وتخصيصهم مشير إلى أن من فوقهم من الأسنان عنده ما يغنيه عن الحمل، وذلك أبعث له على التدبر والأمثال ﴿ياأيها الذين آمنوا﴾ أي ادعوا ذلك بألسنتهم ﴿أوفوا﴾ أي صدقوا ذلك أحل أو حرم أو ندب على سبيل الفرض أو غيره، التي من جملتها الفرائض التي افتتحها بلفظ الإيصاء الذي هو من أعظم العهود، وتعم سائر ما بين الناس من ذلك، حتى ما كان في الجاهلية من عقد يدعو إلى بر، وأما غير ذلك فليس بعقد، بل حل بيد الشرع القوية، تذكيراً بما أشار إليه قوله تعالى في حق أولئك ﴿اذكروا نعمتي وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون﴾ [البقرة : ٤٠] وإخباراً لهم بأنه أحل لهم ما حرم على أولئك، فقال على سبيل التعليل مشيراً إلى أن المقصود من النعمة كونها، لا بقيد فاعل مخصوص، وإلى أن المخاطبين يعلمون أنه المقصود من النعمة كونها، لا بقيد فاعل مخصوص، وإلى أن ﴿بهيمة﴾ وبينها بقوله :﴿الأنعام﴾ أي أوفوا لأنه أحلّ لكم بشامل علمه وكامل قدرته لطفاً بكم ورحمة لكم ما حرم على من قبلكم من الإبل والبقر والغنم بإحلال أكلها والانتفاع بجلودها وأصوافها وأوبارها وأشعارها وغير ذلك من شأنها، فاحذروا أن تنقضوا كما نقضوا، فيحرم عليكم ما حرم عليهم، ويعد لكم من العقاب ما أعد لهم، ولا تعترضوا على نبيكم، ولا تتعنتوا كما اعترضوا وتعنتوا، فإن ربكم لا يسأل عما يفعل، وسيأتي في قوله :﴿لا تسئلوا عن أشياء﴾ [المائدة : ١٠١] ما يؤيد هذا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٤