ولما ذكر البغض أتبعه سببه فقال :﴿إن﴾ على سبيل الاشتراط الذي يفهم تعبير الحكم به أنه سيقع، هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو، والتقدير في قراءة الباقين بالفتح : لأجل أن ﴿صدوكم﴾ أي في عام الحديبية أو غيره ﴿عن المسجد الحرام﴾ أي على ﴿أن تعتدوا﴾ أي يشتد عوكم عليهم بأن تصدوهم عنه أو بغير ذلك، فإن المسلم من لم يزده تعدي عدوه فيه حدود الشرع إلا وقوفاً عند حدوده، وهذا قبل نزول ﴿إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام﴾ [التوبة : ٢٨] سنة تسع.
ولما نهاهم عن ذلك، وكان الانتهاء عن الحظوظ شديداً على النفوس، وكان لذلك لا بد في الغالب من منتهٍ وآبٍ، أمر بالتعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال :﴿وتعاونوا على البر﴾ وهو ما اتسع وطاب من حلال الخير ﴿والتقوى﴾ وهي كل ما يحمل على الخوف من الله، فإنه الحامل على البر، فإن كان منكم من اعتدى فتعاونوا على رده، وإلا فازدادوا بالمعاونة خيراً.
ولما كان المعين على الخير قد يعين على الشر قال تنبيهاً على الملازمة في المعاونة على الخير، ناهياً أن يغضب الإنسان لغضب أحد من صديق أو قريب إلا إذا كان الغضب له داعياً إلى بر وتقوى :﴿ولا تعانوا على الإثم﴾ أي الذنب الذي يستلزم الضيق ﴿والعدوان﴾ أي المبالغة في مجاوزة الحدود والانتقام والتشفي وغير ذلك وكرر الأمر بالتقوى إشارة إلى أنها الحاملة على كل خير فقال :﴿واتقوا﴾ أي الذي له صفات الكمال لذاته فلا تتعدوا شيئاً من حدوده ؛ ولما كان كف النفس عن الانتقام وزجرها عن شفاء داء الغيظ وتبريد غلة الاحن في غاية العسر، ختم الآية بقوله :﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿شديد العقاب﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٨
٣٨٩


الصفحة التالية
Icon