المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} [البقرة : ١٩١] ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام﴾ [البقرة : ١٩٤] ﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم﴾ [البقرة : ١٩١] علم أن الأمر بالكف عن انتهاز الفرص إنما هو للأمن من الفوت، وذلك لا يكون إلا من تمام القدرة، وهو لا يكون إلا بعد كمال الدين وإظهاره على كل دين - كما حصل به الوعد الصادق، وكذا الانتهاء عن جميع هذه المحارم إنما يكون لمن رسخ في الدين قدمه، وتمكنت فيه عزائمه وهممه، فلا التفات له إلى غيره ولا همه إلى سواه، ولا مطمع لمخالفه فيه، فعقب سبحانه النهي عن هذه المناهي كلها بقوله على سبيل النتيجة والتعليل :﴿اليوم﴾ أي وقت نزول هذه الآية ﴿يئس الذين كفروا﴾ أي لابسوا الكفر سواء كانوا راسخين فهي أو لا ﴿من دينكم﴾ أي لم يبق لكم ولا لأحد منكم عذر في شيء من إظهار الموافقة لهم أو لاتستر من أحد منهم، كما فعل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه حين كاتبهم ليحمي بذلك ذوي رحمه، لأن الله تعالى قد كثركم بعد القلة، وأعزكم بعد الذلة، وأحيى بكم منار الشرع، وطمس معالم شرع الجهل، وهدّ منار الضلال، فأنا أخبركم - وأنتم عالمون بسعة علمي - أن الكفار قد اضمحلت قواهم، وماتت هممهم، وذلت نخوتهم، وضعفت عزائمهم، فانقطع رجاؤهم عن أن يغلبوكم أو يستميلوكم إلى دينهم بنوع استمالة، فإنهم رأوا دينكم قد قامت منائره، وعلت في المجامع منابره، وضرب محرابه، وبرّك بقواعده وأركانه، ولهذا سبب عما مضى قوله :﴿فلا تخشوهم﴾ أي أصلاً ﴿واخشون﴾ أي وامحضوا الخشية لي وحدي، فإن دينكم قد أكمل بدره، وجل عن المحلق محله وقدره، ورضي به الآمر، ومكنه على رغم أنف الأعداء.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٩


الصفحة التالية
Icon