قال الحرالي : جعل سبحانه وتعالى ما أحاط به حس النظر العاجل من موجود العادل أدنى، فافهم أن ما أنبأ به على سبل السمع أعلى، فجعل تعالى من أمر اشتباه كتاب الكون المرئي به وذكر المشهود أن عجل محسوس العين وحمل على تركه وقبض اليد بالورع والقلب بالحب عنه، وأخر مشهود مسموع الأذن من الآخرة وأنبأ بالصدق عنه ونبه بالآيات عليه ليؤثر المؤمن مسمعه على منظره، كما آثر الناس منظرهم على مسمعهم، حرض لسان الشرع على ترك الدنيا والرغبة في الأخرى، فأبت الأنفس وقبلت قلوب وهيم لسان الشعر في زينة الدنيا فقبلته الأنفس ولم تسلم القلوب منه إلا بالعصمة، فلسان الحق يصرف إلى حق الآخرة ولسان الخلق يصرفه إلى زينة الدنيا، فأنبا سبحانه وتعالى أن ما في الدنيا متاع، والمتاع ما ليس له بقاء، وهو يف نفسه خسيس خساسة الجيفة انتهى.
ثم أتبع ذلك سبحانه وتعالى حالاً من فاعل معنى الإشارة لقال :﴿والله﴾ الذي بيده كل شيء، ويجوز أن يكون عطفاً على ما تقديره : وهو سوء المبدأ في هذا الذهاب إلى غاية الحياة، والله ﴿عنده حسن المآب *﴾ قال الحرالي : مفعل من الأوب وهو الرجوع إلى ما منه كان الذهاب انتهى.
٣٥
فأرشد هذا الخطاب اللطيف كل من ينصح نفسه إلى منافرة هذا العرض الخسيس بأنه إن حصل له يعرض عنه بأن يكون في يده، لا في قلبه فلا يفرح به بحيث يشغله عن الخير، بل يجعل عوناً على الطاعة وأنه منع منه لا يتأسف عليه لتحقق زواله ولرجاء الأول إلى ا عند خالقه الذي ترك ذلك لأجله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١