فإذا أريد كون الكلام على وجه يعم قيل :﴿قل﴾ لهم في جواب من سأل ﴿أحل﴾ وبناه للمفعول طبق سؤالهم ولأن المقصود لا كونه من معين ﴿لكم الطيبات﴾ أي الكاملة
٣٩٥
الطيب، فلا خبث فيها بنوع تحريم ولا تقذر، من ذوي الطباع السليمة مما لم يرد به نص ولا صح فيه قياس، وهذا يشمل كل ما ذبح وهو مأذون في ذبحه مما كانوا يحرمونه على أنفسهم من السائبة وما معها، وكل ما أذن فيه من غير ذبح كحيوان البحر وما أذن فيه من غير المطاعم ﴿وما﴾ وهو على حذف مضاف للعلم به، فالمعنى : وصيد ما ﴿علمتم من الجوارح﴾ أي التي من شأنها أن تجرح، أو تكون سبباً للجرح وهو الذبح، أو من الجرح بمعنى الكسب ﴿ويعلم ما جرحتم بالنهار﴾ [الأنعام : ٦٠] وهو كواسب الصيد من السباع والطير، فأحل إمساكها للقنية وصيدها وشرط فيه التعليم، قال الشافعي : والكلب لا يصير معلماً إلا عند أمور : إذا أشلى استشلى، وإذا زجر انزجر وحبس ولم يأكل، وإذا دعي أجاب، وإذا أراده لم يفر منه، فإذا فعل ذلك مرات فهو معلم، ولم يذكر حداً لأن الاسم إذا لم يكن معلوماً من نص ولا إجماع وجب الرجوع فيه إلى العرف، وبنى الحال من الكلاب وإن كان المراد العموم، لأن التأديب فيها أكثر فقال :﴿مكلبين﴾ أي حال كونكم متكلفين تعليم هذه الكواسب ومبالغين في ذلك، قالوا : وفائدة هذه الحال أن يكون المعلم نحريراً في علمه موصوفاً به، وأكد ذلك بحال أخرى أو استئناف فقال :﴿تعلمونهن﴾ وحوشاً كنَّ أو طيوراً ﴿مما علمكم الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال من علم التكليب، فأفاد ذلك أن على كل طالب لشيء أن لا يأخذه إلا من أجلّ العلماء به وأشدهم دراية له وأغواصهم على لطائفه وحقائقه وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل، فكم من آخذ من غير متقن قد ضيع أيامه، وعض عند لقاء النجارين إبهامه! ثم سبب عن ذلك قوله :﴿فكلوا﴾.


الصفحة التالية
Icon