ولما كان الوضوء في سورة النساء إنما هو على سبيل الإشارة إجمالاً، صرح به هنا على سبيل الأمر وفصله، فقال مجيباً للشرط إعلاماً بأن بالوضوء تبع للأمر بالصلاة، لأن المعلق على الشيء بحرف الشرط يعدم عند عدم الشرط :﴿فاغسلوا﴾ أي لأجل إرادة الصلاة، ومن هنا يعلم وجوب النية، لأن فعل العاقل لا يكون إلا مقصوداً، وفعل المأمور به لأجل الأمر هو النية ﴿وجوهكم﴾ وحدّ الوجه منابت شعر الرأس ومنتهى الذقن طولاً وما بين الأذنين عرضاً، وليس منه داخل العين وإن كان مأخوذاً من المواجهة، لأنه من الحرج، وكذا إيصال الماء إلى البشرة إذا كثفت اللحية خفف للحرج واكتفى عنه بظاهر اللحية، وأما العنفقة ونحوها من الشعر الخفيف فيجب ﴿وأيديكم﴾ ولما كانت اليد تطلق على ما بين المنكب وروؤس الأصابع، قال مبيناً إن ابتداء الغسل يكون من الكفين، لأنهما لعظم النفع أولى بالاسم :﴿إلى المرافق﴾ أي آخرها، أخذاً من بيان النبي ﷺ بفعله، فإنه كان يدير الماء على مرفقيه، وإنما كان الاعتماد على البيان لأن الغاية تارة تدل كقوله تعالى ﴿من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾ [الإسراء : ١] وتارة لا تدخل كقوله تعالى ﴿ثم أتموا الصيام إلى اللّيل﴾ [البقرة : ١٨٧] والمرفق ملتقى العظمين، وعفي عما فوق ذلك تخفيفاً ﴿وامسحوا﴾ ولما عدل عن تعدية الفعل إلى الرأس، فلم يفعل كما فعل في الغسل مع الوجه، بل أتى بالباء فقال :﴿برءوسكم﴾ علم أن المراد إيجاد ما يسمى مسحاً في أي موضع كان من الرأس، دون خصوص التعميم وهو معنى قول الكشاف : المراد إلصاق المسح بالرأس، وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح.
ولما كان غسل الرجل مظنة الإسراف فكان مأموراً بالاقتصاد فيه، وكان المسح على الخف سائغاً كافياً، قرىء :﴿وأرجلكم﴾ بالجر على المجاورة إشارة إلى ذلك أو لأن الغاسل يدلك في الأغلب، قال في القاموس : المسح كالمنع : إمارا اليد على
٤٠٢
الشيء السائل.