ولما علم بذلك كله أحوال الفريقين، أقبل عليهم واعظاً منادياً متلطفاً مستعطفاً مرغباً مرهباً فقال :﴿ياأهل الكتاب﴾ أي عامة ﴿قدجاءكم رسولنا﴾ أي الذي أسلناه مما لنا من العظمة فليظهرن بذلك على من ناواه ﴿يبين لكم﴾ أي يوضح إيضاحاً شافياً ﴿كثيراً مما كنتم﴾ أي بما لكم من جبلة الشر والخيانة ﴿تخفون من الكتاب﴾ أي العظيم المنزل عليكم، من صفة محمد ﷺ وحكم الزنا وغيرهما، لإحياء سنة وإماتة بدعة - كما مضى منه ما شاء الله في سورة البقرة، وذلك دال بلا شبهة على صحة رسالته ﴿ويعفوا عن كثيراً *﴾ أي فلا يفضحكم بإظهاره امتثالاً لأمرنا له بذلك - كما تقدم أنه إحسان منه ﷺ إليكم، لأنه لا فائدة في إظهاره إلا فضيحتكم.
ولما أخبر عن فصله للخفايا، وكان التفصيل لا يكون إلا بالنونر، اقتضى الحال
٤١٨
توقع الإخبار بأنه نور، فقال مفتتحاً بحرف التوقيع والتحقيق :﴿قد جاءكم﴾ وعظمه بقوله معبراً بالاسم الأعظم :﴿من الله﴾ أي الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿نور﴾ أي واضح النورية، وهو محمد ﷺ الذي كشف ظلمات الشك والشرك، ودل على جمعه مع فرقه بقوله :﴿وكتاب﴾ أي جامع ﴿مبين﴾ أي بين في نفسه، مبين لما كان خافياً على الناس من الحق.


الصفحة التالية
Icon