ولما كان معنى ذلك أن يعذذبكم لأنكم لستم أبناء ولا أبحاء، عطف عليه نقضاً آخر أوضح من الأول فقال :﴿بل أنتم بشر ممن خلق﴾ وذلك أمر مشاهد، والمشاهدات من أوضح الدلائل، فأنتم مساوون لغيركم في البشرية والحدوث، لا مزية لأحد منكم على غيره في الخلق والبشرية، وهما يمنعان البنوة، فإن القديم لا يلد بشراً، والأب لا يخلق ابنه، فامتنع بهذين الوصفين البنوة، وامتنع بتعذيبهم أن يكونوا أحباء الله ؛ فبطل الوصفان اللذان ادعوهما.
ولما كان التقدير : يفعل بكم ما يفعل بسائر خلقه، وصل به قوله جواباً لمن يقول : وما هو فاعل بمن خلق ؟ :﴿يغفر لمن يشاء﴾ أي من خلقه منكم ومن غيركم فضلاً منه تعالى ﴿ويعذب من يشاء﴾ عدلاً كما تشاهدونه يكرم ناساً منكم في هذه الدار ويهين آخرين
٤٢١
ولما كان التقدير : لأنه مالك لخلقه وملكهم لا اعتراض عليه في شيء من أمره، عطف عليه قوله نقضاً ثالثاً بما هو أعم مما قبله فقال :﴿ولله﴾ أي الذي له الأمر كله، فلا كفوء له ﴿ملك السموات﴾ وقدمها لشرفها دلالة على ملك غيرها من باب أولى، وصرح بقوله :﴿والأرض وما بينهما﴾ أي وأنتم مما بينهما، وقد اجتمع بذلك مع المُلكِ والإبداعِ المِلكُ والتصريف والتصريف التام، وذلك هو الغنى المطلق، ومن كان كذلك لم يكن محتاجاً إلى شيء من ولد ولا غيره، ولا يكون لأحد عليه حق، ولا يسوغ عليه اعتراض.


الصفحة التالية
Icon