ولما ذكر هذه الأعمال الزاكية الجامعة العالية أتبعها الإشارة إلى أن الاعتراف بالعجز عن الوفاء بالواجب هو العمدة في الخلاص :﴿والمستغفرين﴾ أي من نقائصحهم مع هذه الأفعال والأحوال التي هي نهاية ما يصل إليه الخلق من الكمال ﴿بالأسحار*﴾ التي هي أشق الأوقات استيقاظاً عليهم، وأحبها راحة لديهم، وأولاها بصفات القلوب، وأقربها إلى الإجابة المعبر عنها في الأحاديث بالنزول ما يأتي بيانه في آية التهجد في سورة الإسراء.
قال الحرالي : وهو جمع سحر، وأصل معناه التعلل عن الشيء بما يقاربه ويدانيه ويكون منه بوجه ما، فالوقت من الليل الذي يتعلل فيه بدنو الصباح هو السحر، ومنه السحور، تعلل عن العداء ؛ ثم قال : وفي إفهامه تهجدهم في الليل كما قال سبحانه وتعالى :﴿كانوا قليلاً من الّيل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون﴾ [الذاريات : ١٧، ١٨] فهم يستغفرون من حسناتهم كما يستغفر أهل السيئات من سيئاتهم تبرؤاً من دعوى الأفعال ورؤية الأعمال التئاماً بصدق قولهم في الابتداء :﴿ربنا إننا آمنا﴾ وكمال الإيمان بالقدر خيره وشره، فباجتماع هذه الأوصاف السبعة من التقوى والإيمان والصبر والصدق والقنوت والإنفاق والاستغفار كانت الآخرة خيراً لهم من الدنيا وما فيها، وقد بان بهذا محكم آيات الخلق من متشابهها بعد الإعلام بمحكم آيات الأمر ومتشابهها، فبتم بذلك منزل الفرقان في آيات الوحي المسموع والكون المشهود - انتهى.


الصفحة التالية
Icon