قال الحرالي : وهذه الشهادة التي هي من الله لله هي الشهادة التي إليها قصد القاصدون وسلك السالكون وإليه انتهت الإشارة، وعندها وقفت العبارة، وهي أنهى المقامات وأعظم الشهادات، فمن شهد بها فقد شهد شهادة ليس وراءها مرمى، ومن شهد بما دونها كانت شهادته مشهوداً عليها لا شهادة، يؤثر أن النبي ﷺ لم يزل يوم الجمعة وهو قائم بعرفة منذ كان وقت العصر إلى أن غربت الشمس في حجته التي كمل بها الدين وتمت بها النعمة يقول هذه الآية لا يزيد عليها، فأي عبد شهد لله بهذه الشهادة التي هي شهادة الله لله سبحانه وتعالى بالوحدانية فقد كملت شهادته، وأتم الله سبحانه وتعالى النعمة عليه، وهي سر كل شهادة من دونها، وهي آية علن التوحيد الذي هو منتهى
٤٢
المقامات وغاية الدرجات في الوصول إلى محل الشهود الذي منه النفوذ إلى الموجودين بمقتضى الأعظمية التي في الآية الفاتحة - انتهى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨
ولما أخبر سبحانه وتعالى عن نفسه المقدسة أخبر عمن يعتد به من خلقه فقال مقدماً لأن المقام للعلم لمن هم أعلم به سبحانه وتعالى ممن أطلعهم من الملك والملكوت على ما لم يطلع عليه الإنسان ولا شاغل لهم من شهوة ولا حظ ولا فتور :﴿والملائكة﴾ أي العبادة المقربون المصفون من أدناس البشر، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
ولما خص أهل السماوات عم فقال :﴿وأولوا العلم﴾ وهم الذين عرفوه بالأدلة القاطعة ففعلوا ما فعل العظيم من الشهادات لكيون ذلك ادعى لغيرهم إليه وأحث عليه، ولما كانت الشهادة قد تكون على غير وجه العدل نفى ذلك بقوله :﴿قائماً﴾ وأفرد ليفهم أنه حال كل من المذكورين لا المجموع بقيد الجمع، ويجوز - وهو الأقرب - أن يكون حالاً من الاسم الشريف إشارة إلى أنه ما وحد الله سبحانه وتعالى حق توحيده غيره، لأنه لا يحيط به أحد علماً.