ولما كان لا ملازمة بين علم السر والجهر لأنه قد يكون في الجهر لفظ شديد يمنع اختلاط الأصوات فيه من علمه، صرح به فقال :﴿وجهركم﴾ ونسبة كل منها إليه على حد سواء، ولا توصف واحدة منها بقرب في المسافة إليه ولا بد ؛ ولما كان السر والجهر شائعين في الأقوال، وكانت الأقوال تتعلق بالسمع، ذكر ما يعمهما وهو شائع في الأفعال المتعلقة بالبصر فقال :﴿ويعلم ما تكسبون﴾ فأفاد ذلك صفتي السمع والبصر مع إثبات العلم، فملا تظاهرت الأدلة وتظافرت الحجج وهم عنها ناكبون، وصل بذلك في
٥٨٨
جملة حالية قولَه، معرضاً عنهم إيذاناً باستحقاقهم شديد الغضب :﴿وما تأتيهم﴾ أي هؤلاء الذين هم أهل للإعراض عنهم، وأعرق في النفي بقوله :﴿من آية﴾ أي علامة على صحة ما دعاهم إليه رسولهم ﷺ، وبعض بقوله :﴿من آيات ربهم﴾ أي المحسن إليهم بنصب الأدلة وإفاضة العقول وبعث الرسول ﴿إلاّ كانوا عنها معرضين﴾ أي هذه صفتهم دائماً قصداً للعناد لئلا يلزمهم الحجة، ويجوز أن يكون ذلك معطوفاً على " يعدلون ".
ولما كان إعراضهم عن النظر سبباً لتكذيبهم، وهو سبب لتعذيبهم قال :﴿فقد كذبوا﴾ أي أوقعوا تكذيب الصادق ﴿بالحق﴾ أي بسبب الأمر الثابت الكامل في الثبات كله.
لأن الآيات كلها متساوية في الدلالة على ما تدل عليه الواحدة منها ﴿لما جاءهم﴾ أي لم يتأخروا عند المجيء أصلاً لنظر ولا لغيره، وذلك أدل ما يكون على العناد.