ولما دل ما مضى على القدرة التامة، وانقسم إلى متحرك وساكن، وكانت القدرة لا تتم إلا بالعلم، دل عليه بقوله :﴿وهو﴾ أي لا غيره ﴿السميع﴾ أي البالغ السمع لكل متحرك ﴿العليم *﴾ أي العام العلم بالبصر والسمع وغيرهما بكل متحرك وبكل ساكن من أقوالكم وأفعالكم وغيرهما، فلا تطمعوا في أن يترك شيء من مجازاتكم، والعليم هنا أبلغ من البضير، وذلك مثل ما تقدم في قوله :﴿قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم﴾ [المائدة : ٧٦] وهو ترجمة قوله :﴿يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون﴾ [الأنعام : ٣].
٥٩٥
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩٣
ولما نهض من الحجج ما لم يبق معه لذي بصيرة شك، كان لسان الحال مقتضياً لأن ينادي بالإنكار عليهم في الالتفات عن جنابه والإعراض عن بابه فأبرز تعالى ذلك في قالب الأمر له ﷺ بالإنكار على نفسه، ليكون أدعى لهم وأرفق بهم، ولأن ما تقدم منبئ عن غاية المخالفة، منذر بما أنذر من سوء عاقبة المشاققة، فكأنهم قالوا : فهل من سبيل إلى المواقة ؟ فقيل : لا إلا باتخاذكم إلهي ولياً، وذلك لعمري سعادتكم في الدارين، وبتطمعكم في اتخاذي أندادكم أولياء، وهذا ما لا يكون أبداً، وهو معنى قوله تعالى :﴿قل﴾ أي مصرحاً لهم بإنكار أن تميل إلى أندادهم بوجه.
ولما كان الإنكار منصباً إلى كون الغير متخذاً، لا إلى اتخاذ الولي، أولى " غير " الهمزة فقال :﴿أغير الله﴾ أي الذي لا شيء يدانيه في العظمة ﴿أتخذ﴾ أي أكلف نفسي إلى خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى والعقل المجرد عن الهوى كما فعلتم أنتم وآخذ ﴿ولياً﴾ أي أعبده لكونه يلي جميع أموري، ثم وصفه بما يحقق ولايته ويصرف عن ولاية غيره فقال :﴿فاطر السماوات والأرض﴾ أي خالقهما ابتداء على غير مثال سبق ﴿وهو﴾ أي والحال أن الله ﴿يطعم﴾ أي يرزق كل من سواه مما فيه روح.