ولما كان أكثرهم يخفون ذلك ولا يشهدون به، قال جواباً لمن يسأل عنهم :﴿الذين خسروا﴾ أي منهم، ولكنه حذفها للتعميم ﴿أنفسهم فهم﴾ أي بسبب ذلك ﴿لا يؤمنون﴾ أي لما سبق لهم من القضاء بالشقاء الذي خسروا به أنفسهم بالعدول عما دعت إليه الفطرة السليمة والفكرة المستقيمة، ومن خسر نفسه فهو لا يؤمن فكيف يشهد! فقد بينت هذه الجملة أن من لا يشهد منهم فهو في الحقيقة ميت أو موات، لأن من ماتت نفسه كذلك، بل هم أشقى منه، فلقد أداهم ذلك الشقاء إلى أن حرفوا كتابهم وأخفوا كثيراً مما يشهد لي بالنبوة، فكانوا أظلم الخلق بالكذب في كتاب الله للتكذيب لرسل الله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٩٩
ولما كان التقدير : خسروا ففاتهم الإيمان، لأنهم ظلموا بكتمان الشهادة، فكان الظلم سبب خسرانهم، فمن أظلم منهم! عطف عليه ما يؤذن بأنهم بدلوا كتابهم، أو نسبوا إليه ما ليس فيه، فقال واضعاً للظاهر موضع ضميرهم لذلك :﴿ومن أظلم ممن افترى﴾ أي تعمد ﴿على الله كذباً﴾ كهؤلاء الذين حرفوا كتابهم ونسبوا إلى الله ما لم يقله، زيادة كتبوها بأيديهم لا أصل ها، إضلالاً منهم لعباده ﴿أو كذب بآياته﴾ أي الآتي بها الرسل كالقرآن وغيره من المعجزات كالمشركين، لا أحد أظلم منهم فهم لا يفلحون ﴿إنه لا يفلح الظالمون﴾ أي فكيف بالأظلمين!
٦١٩


الصفحة التالية
Icon