ولما كان تكذيبهم لم يستغرق الزمان، وكان الاشتراك في شيء يهوّنه، وكلما قرب الزمان كان أجدر بذلك أدخل الجار فقال :﴿من قبلك﴾ بأن جحد قومهم ما يعرفون من صدقهم وأمانتهم كما فعل بك ﴿فصبروا﴾ أي فتسبب عن تكذيب قومهم لهم أنهم صبروا ﴿على ما كذبوا وأوذوا﴾ أي فصبروا أيضاً على ما أوذوا، ثم أشار إلى
٦٢٨
الوعد بالنصر بشرط الصبر فقال :﴿حتى﴾ أي وامتد صبرهم حتى ﴿آتاهم نصرنا﴾ فليكن لك بهم أسوة، وفيهم مسلاة، فاصبر حتى يأتيك النصر كما أتاهم، فقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون في قولنا ﴿فإن حزب الله هم الغالبون﴾ [المائدة : ٥٦] ﴿ولا مبدل لكلمات الله﴾ أي لأن له جميع العظمة فلا كفوء له، ودل سبحانه على صعوبة مقام الصبر جداً بالتأكيد فقال :﴿ولقد جاءك﴾ ودل على عظيم ما تحملوا بقوله :﴿من نبإى المرسلين *﴾ أي خبرهم العظيم في صبرهم واحتمالهم وطاعتهم وامتثالهم ورفقهم بمن أرسلوا إليهم ونصرنا لهم على من بغى عليهم، ومجيء نبأهم تقدم إجمالاً وتفصيلاً، أما إجمالاً ففي مثل قوله ﴿وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير﴾ [آل عمران : ١٤٦]، ﴿أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم﴾ [البقرة : ٨٧] وأما تفصيلاً ففي ذكر موسى وعيسى وغيرهما ؛ وفي قوله ﴿فصبروا﴾ أدل دليل على ما تقدم من أن النهي عن الحزن نهي عن تابعه المؤدي إلى عدم الصبر، والتعبير بمن التبعيضية تهويل لما لقوا، فهو أبلغ في التعزية.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٢٥


الصفحة التالية
Icon