ولما كان المراد بالدابة والطائر الاستغراق قال :﴿إلا أمم﴾ أي يقصد منها في نفسه، ويقصد هو نوعه وينضم إلى شكله ﴿أمثالكم﴾ أي في ذلك وفي أنا خلقناكم ولم يكونوا شيئاً وحفظنا جميع أحوالهم، وقدرنا كل أرزاقهم وآجالهم، وجعلنا لكم فيهم أحكاماً جددناها لكم، وجعلنا لكل منهم أجلاً للموت لا يتعداه بعد أن فاوتنا بينهم في الحياة، وللكل أجل في علمنا في البرزخ مثبت قبل أن نخلقهم، لا ينقص ذرة ولا يزيد خردلة، وجعلنا في هذه الحيوانات ما هو أقوى منكم وما هو أضعف، وجعلناكم أقوى من الجميع بالعقل، ولو شئنا لجعلنا له بين قوة البدن والعقل، وربما سلطنا الأضعف عليكم كالجراد والفأر والدود بما تعجز عنه عقولكم، ولو شئنا لسلطنا عليكم من أضعفها خلقاً - البعوض - ما أخذ بأنفاسكم ومنعكم القرار وأخرجكم عن حركات الاختيار إلى أن أهلككم جميعاً هلاك نفس واحدة - إلى غير ذلك من أمور تكل عنها العقول وتقف دونها نوافذ الفكر، وهذا كله معنى قوله :﴿ما فرطنا﴾ أي تركنا وأغفلنا لما لنا من القدرة الكاملة والعلم الشامل ﴿في الكتاب﴾ أي اللوح المحفوظ والقرآن، وأعرق في النفي بقوله :﴿من شيء﴾ أي ليذهب ذكره كما يذهب العقد الذي ينقطع سلكه فيتفرط، بل ذكرنا جميع أحوال خلقنا من الجن والإنس والملائكة وغيرهم من كل ناطق وصامت، فصارت في غاية الضبط حتى أن الحفظة يعرضون ما يحدث من عمل المكلفين وغيره آخر النهار على ما كان مثبتاً في أم الكتاب فيجدونه كما هو، لا يزيد شيئاً ولا ينقص، فيزدادون إيماناً، وأثبتنا في هذا القرآن مجامع الأمور، فهو تبيان
٦٣٢


الصفحة التالية
Icon