ولما نهى عن الفساد بالبخس، عم كل الفساد فقال :﴿ولا تفسدوا﴾ أي توقعوا الفساد ﴿في الأرض﴾ بوضع شيء من حق الحق أو الخلق في غيره موضعه ؛ ولما نهاهم عن هذه الرذائل، ذكر بنعمة الله تاكيداً للنهي بما في ذلك من التخويف وحثاًُ على التخلق بوصف السيد فقال :﴿بعد إصلاحها﴾ أي إصلاح الله لها بنعمة الإيجاد الول بخلقها وخلق منافعها وما فيها على هذا النظام البديع المحكم ثم بنعمة الإبقاء الول بإنزال الكتب وإرسال الرسل ونصب الشرائع التي بها يحصل النفع وتتم النعمة بإصلاح أمر المعاش والمعاد بتعظيم أمر الله والشفقة على خلق الله، ويجمع ذلك كله التنزه عن الإساءة ولما تقدم إليهم بامر والنهي، أشار إلى عظمة ما تضمنه ذلك حثاً لهم على امتثاله فقال :﴿ذلكم﴾ أي الأمر العظيم العالي الرتبه مما ذكر في هذه االقصة ﴿خير لكم﴾ ولما كان الكافر ناقص المدراك كامل المهالك، أشارإلى ذلك بقوله :﴿إن كنتم مؤمنين*﴾ أي فلا تفسدوا أو فأنتم تعرفون صحة ما قلته، وإذ عرفتم صحته عملتم به، وإذا عملتم به أفلحتم كل الفلاح، ويجوز - وهوأحسن - أن يكون التقدير : فهو خير لكم، لأن المؤمن يثاب على فعله لبنائه له على أساس الإيمان، والكافر أعماله فاسده فلا يكون فعله لهذه الأشياء خيراً له من جهة إسعادة في الآخرة لأنه لا ثواب له.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦١
و لما كان للتعميم بعد التخصيص والتفصيل بعد الإجمال من الموقع في النفوس
٦٦
ما لا يخفى، وكان النهي عن الإفساد بالصد عن سبيل الله هو المقصود بالذات لأنه ينهي عن كل فساد، خصه باذكر إشارة إلى أنه زبدة المراد بعد التعميم فقال :﴿ولا تقعدوا﴾ أي لاتفعلوا فعل المترصد المقبل بكليته ﴿بكل صراط﴾ أي طريق من طرق الدنيا والدين من الحلال والحرام والوامر والنواهي والمحكم والمتشاد والأمثال ﴿توعدون﴾ أي تتهددون من يسلكه بكل شريوافقهم على ما تريدون.


الصفحة التالية
Icon