ولما كان نقض العهد أفظع سيء ولا سيما عند العرب، قال عاطفاً على " فما كانوا " ﴿وما وجدنا﴾ أي في عالم الشهادة ﴿لأكثرهم﴾ أي الناس، أكد الاستغراق فقال :﴿من عهد﴾ طبق ما كان عندنا في عالم الغيب، وهذا إما إشارة إلى الميثاق يوم ﴿ألست بربكم﴾ إن كان ذلك على حقيقة، أو إلى ما يفعلون حال الشدائد من إلاعلاق عن المعاصي والمعاهدة على الشكر ﴿لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين﴾ [يونس : ٢٢] " أو إلى إقامة الحجج بإضافة العقول ونصب الدلة، فصار بنصبها وإيضاحها للعقول كأنه أخذ العهد على من عقل أنه يبذل الجهد في التأمل ولا يتجاوز ما أبداه له صحيح النظر ﴿وإن﴾ أي وإنا ﴿وجدنا﴾ أي خارجين عن دائرة العهد مارقين مما أوقفهم عند الحد عرقين في ذلك طبق ما كنا نعلمه في عالم الغيب، وما أبرزناه في عالم الشهادة إلا لنقيم عليهم به الحجة على ما يتعارفونه بينهم في مجاري عاداتهم ومدارك عقولهم ولما انقضى بيان هذا الإجمال الخالع لقلوب الرجال، أتبعه الكشف عما كان بعد قصة شعيب عليه السلام من قصة صهره موسى عليه السلام مع فرعون وقومه، وهي كالدليل على آيات الإجمال كما كانت القصص الماضية كالدليل على ما في اول السورة من الإجمال، فإن قصة فرعون مشتملة على الأخذ بالبأساء والضراء، ثم الإنعام بالرخاء والسراء، ثم الأخذ بغته بسبب شدة الوقوف مع الضلال بعد الكشف الشافي والبيان لما على قلوبهم من الطبع وما قادت إليه الحظوظ من الفسق، وكانه فصلها عن القصص الماضية تنويهاً بذكرها وتنبيهاً على عليّ قدرها، لأن معجزات من كان قبله، وجهل من عالجهم كان أعظم وأفحش من جهل تلك الأمم، ولذلك عطفها بأداة البعد مع قرب زمنها من التي قبلها إشارة إلى بعد رتبتها بما فيها من
٧٧


الصفحة التالية
Icon