عالين، ولا ذل ولا صغار اعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله على وجه لا يكون فيه حيلة ولما كان الأدب وذل النفس لا يأتي إلا بخير، لأنه اللائق بالعبيد، قاد كثيراً منهم إلى السعادة الأبدية، فالذلك قال :﴿وألقى السحرة﴾ أي ألقاهم ملقى الخوف من الله والشوق إلى الخضوع بين يديه والذل لديه حين عرفوا أن ما فعله موسى عليه السلام أمر سماوي، صدق الله تعالى به موسى عليه السلام في انه رسوله، ولم يتاخروا بعد ذلك أصلاً حتى كانهم خروا من غير اختيار ﴿ساجدين*﴾ شكراً لله تعالى وانسلاخاً عن الكفر ودليلاً على أقصى غايات الخضوع، فعل الله ذلك بهم حتى تبهر به فرعون وملأه وتحير عقولهم ولما كانوا بمعرض التشوق العظيم إلى معرفة قولهم بعد فعلهم، أخبر عنذلك سبحانه بقوله :﴿قالوا﴾ أي حال إلقائهم للسجود ﴿آمنّا﴾ أي كلنا ﴿برب العالمين﴾ أ ي الذي خلق فرعون ومن قبله وما يعيشون به ؛ خصوا من هداهم الله على أيديهم تصريحاً بالمراد وتشريفاً لهما فقالوا :﴿رب موسى﴾ ثم أزالو الشبهة بحدذافيرها - لأن فرعون ربما ادعى بتربية موسى عليه السلام أنه المراد - بقولهم :﴿وهارون*﴾ وفي الآية دليل على أن ظهور الآية موجب للإيمان عند ظهرت له، ولو أن الرسول غير مرسل إليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨٣


الصفحة التالية
Icon