ولما بين ما للمفسدين من كونهم قالوا على الله غير الحق فلا يغفر لهم، بين ما للصالحين المذكورين في قوله ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ [الأعراف : ١٥٩] فقال عاطفاً على تقديره : أولئك حبطت أعمالهم فيما داسوا من الكتاب، ولا يغفر ما أتوا من الفساد :﴿والذين يمسكون﴾ أى يمسكون إمساكاً شديداً يتجدد على كل وجه الا ستمرار، وهوإشارة إلى إن التمسك بالسنة في غاية الصعوبة لا سيما عند ظهور الفساد ﴿الكتاب﴾ أي فلا يقولوعلى الله إلا الحق، ومن جملة تمسيكهم المتجدد انتقالهم عن ذلك الكتاب عند إتيان الناسخ لأنه ناطق بلك والله الموفق.
ولما كان من تمسيكهم بالكتاب عند نزول هذا الكلام انتقالهم عن دينهم إلى الإسلام كما وقع الأمر به في المواضع التي تقدم بيانها، عبر عن إقامة الصلاة المعهودة لهم بلفظ الماضي دون المضارع لئلا يجعلوه حجة في الثبات على دينهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤٦
فيفيد ضد المراد فقال :﴿وأقاموا الصلاة﴾ وخصها إشارة إلى أن الأولين توكوها كما صرح به في آية مريم، وتنويهاً بشأنها بياناً لأنها من أعظم شعائر الدين، ولما كان التقدير إخباراًعن المبتدإ : سنؤتيهم أجورهم لإصلاحهم، وضع موضعه للتعميم قوله :﴿إنا لا نضيع﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿أجر الصالحين*﴾ ولما ذكر الكتاب أنه رهبهم من مخالفته ورغبهم في مؤالفته، وكان عذاب الآخرة مستقبلاً وغائباً، وكان ما هذا شأنه يؤثر في الجامدين، أمره أن يذكرهم بترهيب دنيوي مضى إيقاعه بهم، لياخذوا مواثيق الكتاب لغاية الجد مع أنه لا يعلمه إلا علماؤهم، فيكون علم الأمي له من أعلام نبوته الظاهرة فقال :﴿وإذ﴾ أي اذكر لهم هذا، فإن لمن يتعظوا اذكر لهم إذ ﴿نتقنا﴾ أي قلعنا ورفعنا، واتى بنون العظمة لزيادة الترهيب ﴿الجبل﴾ عرفه لمعرفتهم به، وعبر لدلالة لفظه على الصعوبة والشدة دون
١٤٦


الصفحة التالية
Icon