﴿فبأي حديث﴾ أي كلام يتجدد له في كل واقعة بيان المخلص منها ﴿بعده﴾ أي بعد هذه الرتبة العظيمة ﴿يؤمنون*﴾ فقد دلت هذه الآية على أن للإيمان طريقين : أحدهما سمعي، والآخر عقلي، قال الحرالي في كتاب له في أصول الفقه : الحكم إنما يتلقى من خطاب الله البالغ على السنة رسله، وقد اتضح واشتهر ان السمع من طرق تفهم خطاب الله الذي تبلغه الرسل، وكذلك أيضاً قد تحقق لقوم من أولي الألباب أن الرؤية وسائر الحواس طريق من طرق تفهم خطاب الله أيضاً، يعي منه اللب العقلي معنى الإرسال في كتابه المخلوق كما يعي العقل معنى الإرسال من مفهوم كلامه المنطوق، وقوم ممن فهم من مرئي كتاب الله المشهود إرسال ولقن أحكاماً يسمون الحنيفيين كقس ابن ساعده وزيد بن عمرو بن نفيل، وقد شهد لهم رسول الله ﷺ بأن كل واحد منهم " يبعث أمه واحدة " لاهتدائه من نفسه من غير رسالة هاد خارج عنه، بل من رسول موجدته وإحساسه للعالم، ولأنه إنما أخذ بكلية حكم الإيمان ووجوب المناصفه مع الخلق كم شهود خلق الله، وصار مع ذلك يترقب تأكيد ما يحصل له عقلاً من مسموع خطاب الله، وعلى نحو هذه الحال - وأتم هي - حال الأنبياء والصديقين قبل مورد الوحي على النبي وقبل سماع صديقه وارد وحيه، وهؤلاء هم - الذين لا يتوقفون عن الإيمان بالنبي عند ابتداء دعوته، وكما أن النبي لا يلزم ويجكم بل يبلغ عن الله فكذلك نظر العقل لا يلزم ولا يحكم بل يبلغ عن الله فيكون الحكم الذي هو تصرف الحق في أفعال الخلق بهذا على ضربين، شرعي أي مأخوذ من الإرسال الشرعي، وعقلي أي مأخوذ من الإرسال العقلي، وحاصل ذلك أن العالم المشهود مبين عن أمر الله، وكل مبين مبلغ، فالعلم مبلغ أي بما يفهمه الفاهم من كلامه عن الله، فإن النحاة قالوا-كما ذكره ابن عصفور في شرح الإيضاح لأبي علي وكذا غيره : إن الكلام في الإصلاح لا يقع الإعلى اللفظ المركب وجوداً أو تقديراً المفيد بالوضع، قال : واحترزوا باللفظ


الصفحة التالية
Icon