الغيب} أى جنسه ﴿لا ستكثرت﴾ أي أوجدت لنفسي كثيراً ﴿من الخير﴾ باستجلاب المنافع بنصب أسبابها ولما كان الضر لا يحتمل منه شيء قال :﴿وما مسني السوء﴾ أي هذه الجنس بإقامة الموانع له عني لأن لازم إحاطة العلم شمول القدرة كما سيقرر إن شاء الله تعالى في سورة طه، ولما بين أن علم الغيب رتبة الإله، ختم الآيه ببيان رتبته، فقال قالباً ما أدعوه فيه من الجنون لما بان بقوله :"يا بني عبد مناف! اتقوا الله، يا بني فلان يا
١٦٦
بني فلان " وكذا ما لزم عن إلزامهم له بعلم الساعة من أنه يكون إلهاً :﴿إن أنا إلا﴾ ولما كانت السورة للإنذار، قدمه فقال :﴿نذير﴾ أي مطلقاً للكافر ليرجع عن كفره، والمؤمن ليثبت على إيمانه ﴿وبشير لقوم يؤمنون*﴾ أي خاصة، أو الصفتان لهم خاصة بالنظر إلى النفع، وأما ما لا نفع فيه فعدم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٣
ولما ذكر سبحانه الساعة هنا كما ذكرها أول السورة بما لم يذكره هناك من تهكمهم واستهزائهم، وختم هنا بحصر العلم والقدرة في الله الموجب لتفرده بالإلهية، وكان الذي جرهم إلى ذلك الاستهزاء إشراكهم، ذكر قلبها أول السورة من ابتداء الخلق على وجه الحصر المستلزم لتمام القدرة الموجب لنفي الشريك واعتقاد القدرة على الساعة وغيرها والصدق في كل ما وقع الإخبار به من أمرها وغيره الموجب للاستقامه في قبول بشارته ونذارته والإقبال بالكلية على الخالق، فقال مقرراً للتوحيد مؤكداً لأمره :﴿هو﴾ أي وحده ﴿الذي خلقكم﴾ أي ولم تكونوا شيئاً {من نفس واحدة أي خلقها ابتداء من تراب وهي آدم عليه السلام - كما مر بيانه، ومن قدر على اختراع من شيء ليس له أصل في الحياة، كان على إعادة حياً من ذلك الشيء بعد أن صار له أصل في الحياة أقدر ولما كان آدم عليه السلام بعد صيرورته لحماً ودماً أقرب إلى السببية لخلق ذات
١٦٧


الصفحة التالية
Icon