ولما حققوا إيمانهم بأفعال القلوب والجوارح والأموال، فاستوفوا بذلك جميع شعب الدين، عظم سبحانه شأنهم بقوله :﴿أولئك﴾ أي العهالو الهمم ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿المؤمنون﴾ وأكد مضمون الجملة بقوله :﴿حقاً﴾ ولما كانت صفاتهم الخمس المذكورة المشتملة على الأخلاق ولأعمال لها تأثيراتفي تصفية القلوب وتنويرها بالمعارف الإلهية، وكلما كان المؤثرأقوى كانت التأثيرات أعلى، فلما كانت هي درجات كان جزاؤها كذلك، فلهذا قال سبحانه تعالى في جوابمن كأنه قال : فما جزاؤهم على ذلك ؟ ﴿لهم درجات﴾ ولما كثرها بجمع السلامة بما دل عليه سياق الامتنان، عظمتها بقوله :﴿عند ربهم﴾ أي بتسليمهم لأمره ولما كان قدر الله عظيماً، وكان الإنسان عن بلوغ ما يجب عليه من ذلك ضعيفاً حقيراً، وكان بأدنى شيء من أعماله يستفزه الإعجاب، أشار سبحانه إلى أنه لا يسعه إلا العفو ولو بذل فوق الجهد فقال :﴿ومغفرة﴾ أي لذنوبهم إن رجعوا عن المنازعة في الأنفال وغيرها، ﴿ورزق كريم*﴾ أي لا ضيق فيه ولا كدر بوجه ما من منازعة ولا غيرها، فهو يغنيهم عن هذه الأنفال، ويملأ أيديهم من الأموال من غنائم فارس والروم وغير ذلك، هذا في الدنيا، واما في الآخرة فما لا يحيط به الوصف ؛ قال أبو حيان : لما تقدمت ثلاث صفات قلبية وهي الوجل وزيادة الإيمان والتوكل - وبدنية ومالية، ترتب عليها ثلاثة أشياء، فقوبلت الأعمال القلبية بالدرجات والبدنية بالغفران، وقوبلت المالية بالرزق الكريم، وهذا النوع من المقابلة من بديع علم البديع - انتهى.
ولما كان الإيمان عند الشافعي رحمه الله الاعتقاد والإقراروالعمل جوز أن يقال : مؤمن إن شاء الله، لأن استيفتاء الأعمال مشكوك فيه وإن كان الاعتقاد والإقرار يقيناً، وعند أبي حنيفة رحمه الله الإيمان الاعتقاد والإقرار فقط، فلم الاستثناء، فالخلاف، لفظي، هذا إذا
١٨٥


الصفحة التالية
Icon