ولما لانوا بهذا الخطاب، وأقبلوا على الملك التواب، أقبل عليهم فقال :﴿وإذ﴾ أي اذكروا هذا الذي ذكره الله لكم وقد كان حالكم فيه ما ذكره، ثم أقضى إلى سعادة عظيمة وعز لا يشبه عز، واذكروا إذ ﴿يعدكم الله﴾ أي الجامع لصفات الكمال ﴿إحدىالطائفين﴾ : العير أو النفير، وأبدل من الإحدى - ليكون الوعد بها مكرراً - قوله :﴿إنها لكم﴾ أي فتكرهون لقاء ذات الشوكة ﴿وتودون﴾ أي والحال أنكم تحبون محبة عظيمة ﴿أن غير ذات الشوكة﴾ أي السلاح والقتال والكفاح الذي به تعرف الأبطال ويميز بين الرجال من ذوات الحجال ﴿تكون لكم﴾ أي العير لكونها لم يكن فيها إلا ناس قليل، يقال : إنهم أربعون رجلاً، جهلاً منكم بالعواقب، ثم تبين لكم أن ما فعله الله خير لكم بما لا يبلغ كنهه، فسلموا له الأمر في السر والجهر تنالوا الغنى والنصر، وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير العاصي في مناسبة تعقيب الأعراف بهذه السورة ومناسبة آخر تلك لأول هذه ما نصه : لما قصَّ سبحانه على نبيه ﷺ في سوة الأعراف أخبار الأمم، وقط المؤمنون من مجموع ذلك بأنه لا يكون الهدى إلا بسابقه السعادة، لافتتاح السورة من ذكر الأشقياء بقصة إبليس وختمها بقصة بلعام، وكلاهما كفر على علم ولم ينفعه ما قد كان حصل عليه، ونبه تعالى عباده على الباب الذي أتى منه على علم بلعام بقوله سبحانه " ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فأشار سبحانه إلى اتباع الأهواء اضل كل ضلال، نبهوا على ما فيه الحزم من ترك الأهواء جملة فقال تعالى ﴿يسألونك عن الأنفال﴾ [الأنفال : ١]الآية، فكان قد قيل لهم : اتركوا ما ترون أنه حق واجب لكم، وفوضوا في أمره لله وللرسول، فذلك أسلم لكم وأحزم في درع أغراضكم وقمع شهواتكم وترك أمور ربكم وقد ألف في هذه الشريعة السمحة البيضاء حسم الذرائع كثيراً وإقامة مظنة الشيء مقامه كتحريم الجرعة من الخمر والقطرة، والخطبة في العدة واعتداد النوم الثقيل ناقضاً، فهذه مظان لم يقع الحكم