ولما كان سبب الخيانة غالباً محبة المال أو الولد، وكان سبب التقاول المسبب عنه إنزال هذه السورة - كما سلف بيانه أولها - الأموال من الأنفال، وكان من أعظم الخيانة في الأنفال الغلول، وكان الحامل على الغلول المحنة بحب جمع المال إما استلذاذاً به أو لإنفاقه على محبوب، وكان الولد أعز محبوب ؛ حسن كل الحسن إيلاء ذلك قوله :﴿واعملوا﴾ وهي كلمة ينبه بها السامع علىأن ما بعدها مهم جداً ﴿أنما أموالكم﴾ قلّت أو جلّت هانت أو عزّت ﴿وأولادكم﴾ كذلك ﴿فتنة﴾ أي سببها، يفعل الله بها فعل المختبر لينكشف للعباد من يغتر بالعاجل الفاني ممن تسمو نفسه عن ذلك، فلا يحملنكم ذلك على مخالفة أمر الله فتهلكوا ﴿وأن الله﴾ أي الميحط بكل كمال ﴿عنده أجر عظيم*﴾ عاجلاً وآجلاً لمن وقف عند حدوده، فيحفظ له ماله ويثمر أولاده ويبارك له فيهم مع ما يدخر له في دار السعادة، وعنده عذاب أليم لمن ضيعها، فأقبوا بجميع هممكم إليه تسعدوا، وزاد وضعها هنا حسناً سبب نزول التي قبلها من قصة ابي لبابة رضي الله عنه الحامل عليها ماله وولده، وكانت قصته في قريظة سنة خمس وغزوة بدر في السنة الثانية ولما ذكرهم ما كانوا عليه قبل الهجرة من الضعف، وامتنّ عليهم بما أعزهم به، وختم هذه بالتحذير من الأموال والأولاد الموقعة في الردى، ويتعظيم ما عنده الحامل على الرجاء، تلاها بالأمر التقوى الناهية عن الهوى بالإشارة إلى الخوف من سطواته إشارة إلى أنه يجب الجمع بينهما، وبين تعالى أنه يتسبب عنه الأمن من غيره في الأولى والنجاة من عذابه في الأخرى فقال تعالى :﴿يأيها الذين آمنوا﴾ تكريراً لهذا الوصف
٢٠٧


الصفحة التالية
Icon