ولما كان ذلك موضع عجب من عدم إعجال الضلاُ بالعذاب وإمهالهم إلى أن أوقع بهم في غزوة بدر لا سيما مع قوله ﴿إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح﴾ بيّن السر في ذلك وإن بالغوا في استعجاله فقال :﴿وإذ قالوا﴾ أي إرادة المكابر بالنخييل إلى الناس أنهم على القطع من أنه باطل وإلا لما دعوا بهذا الدعاء ﴿اللهم﴾ أي يا من له تمام المُلك وعموم الملك ﴿إن كان هذا﴾ أي الأمر الذي أتانا به محمد ﴿هو﴾ أي لا ما نحن عليه ﴿الحق﴾ حال كونه منزلاً ﴿من عندك﴾ وقال الزجاج : إنه لا يعلم أحداً قرأ ﴿الحق﴾ بالرفع - أفاده أبو حيان ﴿فأمطر علينا حجارة﴾ ولعل تقييده بقوله :﴿من السماء﴾ مع أن الأمطار لايكون إلا منها - لإزالة وهم من يتوهم أن الإمطار مجاز عن مطلق الرجم وأنه إنما ذكر لبيان أن الحجارة المرجوم بها في الكثرة مثل المطر ﴿أو ائتنا بعذاب أليم*﴾ أي غير الحجارة، ولعل مرادهم بقولهم ذلك الإشارة إلى أن مجئ الوحي إليك منها فأتنا بحجارة منها كما أتت الحجارة منها أصحاب الفيل صوناً من الله لبيته الذي أراد الجيس انتهاك حرمته وإعظاماً له - أشار إلى ذلك أبو حيان، وهذه
٢١١
الآية والتي قبلها في النصر بن الحارث اسره المقداد يوم بدر فأمرالنبي ﷺ بقتله فقال المقداد : أسيري يا رسول الله! فقال :"إنه كان يقول في كتاب الله تعالى ما يقول"، فعاد المقداد رضي الله عنه لقوله، فقال النبي ﷺ :"اللهم أغن المقداد من فضلك"، فقال : ذاك الذي أردت يا رسول الله! فقتله النبي ﷺ فأنشد أخته قتيله أبياتاً منها :
ما كان ضرك لو مننت وربما منّ الفتى وهو المغيط المخنق
فقال النبي ﷺ :"لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه ".


الصفحة التالية
Icon