ولما ذكر ما أحاله سبحانه من إحساس الفئتين، علله بقوله :﴿ليقضى الله﴾ أي الذي له العزة البالغة والحكمة الباهرة من نصركم وخذلانهم بأن تفاجئهم كثرتهم بعد رؤيتكم قليلاً فيشجعهم ذلك، ويهزمهم ﴿أمراً كان مفعولاً﴾ أى من إعجابهم - بما فجمعهم من الكثرة بعد القلة - عن الحذر والاستعداد لذلك وبما فعل بأيديكم في هذه الغزوة من القتل والأسر والهزيمة المثمر لذل جميع أهل الكفر، كان مقدراً في الأزل فلا بد من وفوعه على ما حده لأنه لا راد لأمره ولا يبدل القول لديه، فعل ذلك كله وحده.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٨
ولما كان التقدير : فيبده سبحانه ابتداء الأمور بتقديره إياها في الأزل لا بيد أحد غيره، عطف عليه قوله :﴿وإلى الله﴾ أي الملك الأعلى الذي بيده وحده كل أمر ﴿ترجع الأمور*﴾ أي كلها فلا ينفذ إلا ما يريد إنفذه، فلا تجري الأمور على ما يظنه العباد، وهو من قولك : هذا الأمر راجع إليك، أى مهما اردته فيه مضى، ولو فرض أن قوة الرجوع بهذا الاعتبار وإن لم يكن هناك رجوع بالفعل، وفي هذا تنبيه على ان أمور الدنيا غير مقصودة لذواتها، وإنما المارد منها ما يصلح ان يكون زاداً ليوم المعاد، ولما تقرر ذلك ويم على هذا السبيل الأحكم والنهاج الأقوم، كان علة لمضمون قوله :﴿ياأيها الذين آمنوا﴾ الآيتين، فكانتا نتيجة، لأنه إذا علم أن الأمر كله له ولا أثر لقلة ولا كثرة أثمر لمن هو في أدنى درجات الإيمان فضلاً عن غيره قلة المبلاة بالظالمين وإن
٢٢٣