ولما أخبر سبحانه بهلاكهم، أخبر بالوصف الجامع لهم بالهلاك فقال :﴿وكل﴾ أى من هؤلاء ومن تقدمهم من آل فرعون ومن قبلهم ﴿كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿ظالمين *﴾ أي لأنفسهم وغيرهم واضعين الآيات في غير مواضعها وهم يظنون بأنفسهم العدل ؛ ثم علل اتصافهم بالظلم أو استأنف بياناً له بقوله :﴿إن شر الدواب﴾ أي ظلموا لأنهم كفروا بآيات ربهم الذي تفرد بالإحسان إليهم وشر الدواب ﴿عند الله﴾ أي في حكم الحكم العدل الذي له الأمر كله وفي علمه ﴿الذين كفروا﴾ أي منهم ومن غيرهم، أي حكم عليهم بلزوم الكفر لما ركب فيهم من فساد الأمزجة لعدم الملاءمة للخير، فكانوا بذلك قد نزلوا عن رتبة الإنسان إلى رتبة مطلق الحيوان، ثم إلى دركه الحشرات والديدان بل العجلان، لأن شر الناس الكفار، وشر الكفار المصرون منهم، وشر المصرين الناكثون للعهود ﴿فهم﴾ أي بسبب ذلك ﴿لا يؤمنون*﴾ أى لا يتجدد منهم إيمان يستمرون عليه لما سبق من علم الله فيهم، فلم ينتفعوا بما أتاهم من صفة الربوبية
٢٣٢
فمحقهم صفة الإلهية، ولعله إنما خص آل فرعون تذكيراً - لأكثر من كان يقول ﴿غرَّ هؤلاء دينهم﴾ وهم - اليهود - بأنهم كانوا بالنسبة إلى فرعون وآلة اضعف من الصحابة رضوان الله عليهم بالنسبة إلى قريش وأتباعهم، فإن اليهود مع قلتهم عندهم كانوا قد دانوا لهم بذل العبيد لمواليهم بل أعظم، ومع ذلك فإنهم نصروا عليهم لما كان الله معهم، وإعلاماً لهم بأنهم الآن كآل فرعون في العناد مع ما هم من القلة والذلة، فقد جوعوا من كل قوم أخس صفاتهم وأردأ حالاتهم، ولذلك أبدل من عموم ﴿الذين كفروا﴾ ﴿الذين عاهدت منهم﴾ وهم اليهود بلا شك، إما بنو قينقاع أو النضير أو قريظة أو الجميع بحسب التوزيع، فكل منهم نقض ما كان اخذ عليه ﷺ من العهود، وأخلف ما كان أكده من الوعود.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٠