إلا من أسلم منهم وهم يسير، وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم، وإن كانوا قينقاع فقد نزل بساحتهم بعد نقضهم وإظهارهم غاية الاستخفاف والعناد فلم يكبتهم الله أن جعلهم في قبضته وما بقي إلا ضرب أعناقهم كما وقع لبني قريظة فسأله فيهم عبد الله بن أبي المنافق وألح عليه ﷺ في أمرهم وكان يألفه ويتألف به فتركهم له ﷺ وأجلاهم من المدينة، وكانت واقعتهم أول وقائع اليهود بالمدينة، وإن كانوا بني النضير فقد نقضوا ايضاً فأحاط بهم، ومنّاهم المنافقون الغرور فقذف الله الرعب في قلوبهم فسألوه ﷺ ان يجليهم ويكف عن دمائهم ففعل، ثم أتم الله له الأمر فيهم في خيبر ووادي القرى وغيرهما إلى أن لم يدع منهم في جزيرة العرب فريقاً إلا ضربه بالذل وأجرى عليه الهوان والصغار، ووقائعه فيهم مشهورة الخبر معروفه في السير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٠
ولما أمره بما يفعل تحقق نقضه، أرشده إلى ما يفعل خاف غدره فقال :﴿وإما تخافن﴾ وأكده إشارة ظهور القرائن ووضوح الأمارت ﴿من قوم﴾ أي ذوي قوة، بينك وبينهم عهد ﴿خيانة﴾ أي في ذلك العهد ﴿فانبذ﴾ أي اطرح طرح مستهين محتقر ﴿إليهم﴾ أى ذلك العهد نبذاً كائناً ﴿على سواء﴾ أي أمر مستو في العلم بزواله بينكم وبينهم وعدل ونصفه ولا تناجزوهم وهم على توهم من بقاء العهد، وهذا إشارة إلى يكونوا على غاية الحدذر والفحص عن أخبار العدو بيحيث لا يتركونه إلى أن ينقض ثم يعملون ميله إلى النقض فينبذون إليه عهده لأن ذلك أردع له، فهو أدعى إلى السلم ؛ ثم علل جواز النبذ ووجوب النصفة بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿لا يحب الخائنين*﴾ أي لا يفعل بهم فعل المحب لا منكم ولا من غيركم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٥


الصفحة التالية
Icon