ولما كانت التوبة محبوبة بالطبع لما لها من النفع قال :﴿وإن توليتم﴾ أي كلفتم أنفسكم خلاف ما يشتهي من التوبة موافقة للفطرة الأولى، وأصررتهم على الكفر والغدر اتباعاً للهوى المكتسب من خباثة الجبلة ورداءة الأخلاط التي قعدت بالوح عن أوجها الأول إلى لأنكم الحضيض الأسفل ﴿فأعلموا﴾ أي علماً لا شبهة فيه ﴿أنكم غير معجزيالله﴾ أي لأن له صفات الكمال من الجلال والجمال، والالتفات هنا مثله في ﴿فسيحوا﴾ والإشارة به إلى ما ذكر في ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٧
ولما واجههم بالتهديد، أعرض عنهم وجه الخطاب تحقيراً لهم مخاطباً لأعلى خلقه مبشراً له في أسلوب التهكم بهم، فقال عاطفاً على ما تقديره : فبشر الغادرين بالخدلان، أو فبشر التائبين بنعيم مقيم :﴿وبشر الذين كفروا﴾ أي أوقعوا هذا الوصف ﴿بعذاب أليم*﴾ أي في الدنيا والآخرة أو فيهما.
ولما أعلمهم بالبراءة وبالوقت الذي يؤذن بها فيه، وكان معنى البراءة منهم أنه لا عهد لهم، استثنى بعض المعاهدين فقال :﴿إلا الذين عاهدتم﴾ أي أوقعتم بينكم وبينهم عهداً ﴿من المشركين ثم﴾ أي بعد طول المدة اتصفوا بأنهم ﴿لم ينقصوكم شيئاً﴾ أي لخزاعة حلفاء النبي ﷺ ﴿ولم يظاهروا﴾ أي يعانوا معاونة تظهر ﴿عليكم أحداً﴾ أي من أعدائكم كما ظاهرت قريش حلفاءهم من بني الدليل على حلفائكم من خزاعة ﴿فاتموا﴾ واشار إلى بعدهم عن الخير بحرف الغاية فقال :﴿إليهم عهدهم إلى مدتهم﴾ أي وإن طالت ؛ قال البغوي : وهم بنو ضمرة حي من كنانة، وكان قد بقي من عهدهم تسعة أشهر، وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا ؛ وقال النحاس : ويقال : إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة ؛ وقال أبو محمد البستي : حدثنا قتيبة قال : ثنا الحجاج عن ابن
٢٧٠


الصفحة التالية
Icon