شرع يبين الأسباب الحاملة على التواني عن قتالهم، وحصرها في في الخشية والعاطفة، وقسم العاطفة إلى ما سببه القرب في محاسن الأفعال وإلى ما سببه القرب في النسب والصهر، ونقض الكل وبين أنه لا شيء منها يصلح للسببية، فقال بادئاً بالخشية لأنها السبب الأعظم في ترك المصادمة منكراً عليهم موبخاً لهم ليكون أبلغ في الحث على قتالهم منبهاً على أن التواني عنهم مصحح للوصف بالجبن ورقة الدين :﴿أتخشونهم﴾ أي أتخافون أن يظفرون بكم في القتال بان يكونوا على باطلهم أشد منكم على حقكم ﴿فالله﴾ أي الذي له مجامع العظمة ﴿أحق﴾ أي منهم ﴿ان تخشوة﴾ أي بأن يكون مخشياً لكم لما تعلمون من قدرته في أخذه لمن خالفه ولو بعد طول الأناة ﴿إن كنتم مؤمنين*﴾ أي فإن من صدق بانه الواحد الذي تفرد بصفات العظمة لم ينظر إلى غير هيبته ولما بكت في التواني عنهم، وعدهم بما يزيل خشيتهم منهم، بل يوجب إقدامهم عليهم ورغبتهم فيهم، فقال مصرحاً فيهم، فقال مصرحاً بما تضمنه الاستفهام الإنكاري في ﴿ألاتقاتلون﴾ من الأمر :﴿قاتلوهم﴾ أي الله لا لغرض غيره ﴿يعذبهم الله﴾ أي الذي أنتم مؤمنون بانه المتفرد بصفات الجلال والجمال ﴿بأيديكم﴾ أي بأن تقتلوهم وتأسروهم وتهزموهم ﴿ويخزهم﴾ أى بالذل في الدنيا والفضيحة والعذاب في الأخرى.
ولما كان ذلك قولاً لا يقتضي النصر الذي هو علو العاقبة قال :﴿وينصركم عليهم﴾ أى فترضوا ربكم بذلك لإذلالة من يعاديه بكم ؛ ولما كان نكالهم بما بعد ثباته على لبعض المؤمنين سروراً لهم فيه حظ، بين تعالى أنه لا يؤثر في العمل بعد ثباته على أساس افخلاص فقال :﴿ويشف﴾ أي بذلك ﴿صدور قوم مؤمنين*﴾ أى راسخين في
٢٧٩
الإيمان، أسلفوا إليهم مساوئ أوجبت ضغائن وإحناً كخزاعة وغيرهم ممن أعانوا عليه أو اساؤوا إليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٥


الصفحة التالية
Icon