رضى الله فيه ولو أن فيه تلفه، وحاصله أنه يقدم خشيته من الله على خشيته من غيره، فهو يرجع إلى قوله ﴿ فالله أحق أن تخشوه ﴾ ولكن هذا أبلغ لكونه نفى نفس الخشية وإن كان المراد نفي لازمها عادة، وفيه تعرض لهم بأنهم لا يصلحون لخدمته لأنهم يخافون الأصنام ويفعلون معها بعبادتها فعل من يخافها ؛ ولما سبب عما مضى نفياً وإثباتاً أن المتصف بهذه الأصاف يكون جديراً بالهداية وحقيقاً بها، قال تعالى :﴿ فعسى أولئك ﴾ أي العالو الهمم ﴿ أن يكونوا ﴾ أي جبلة ورسوخاً ﴿ من المهتدين* ﴾ فأقامهم - مع ما قدم لهم من الكمال بالمعارف والأفعال - بين الرجاء والخوف مع الإشارة بإفراد الخشية إلى ترجيح الخوف على الرجاء إيذاناً بعلو أمره وعظيم كبره إشارة إلى أنه لا حق لأحد عليه وأنه إن شاء أثاب، وإن أراد حكم - وهو الحكم العدل - بالعقاب، لا يسأل عما يفعل، وكرر الاسم الأعظم لمزيد الترغيب لخطر المقام وعزة المرام، ومادة عسى بجميع تصاريفها تدور على الحركة، وهذه بخصوصها للأطماع، والحاصل أن من اتصف بالأوصاف الأربعة كان صالحاً وخليقاً وجديراً وحقيقاً بان يتحرك طمعه ويمتد أمله إلى أن يكون من جملة أهل الهدى، فكيف توجبون أنتم لمن لم يتصف بواحد منها ما يختص به المهتدون من الموالاة، هكذا كان ظهر لي أولاً في مدار المادة، ثم ظهر لي أن ذلك في أكثر تقاليبها، مع إمكان أن يكون غيره للإزالة، وأن الشامل لها - يائية وواوية بتقاليبها العشر : عسى، عيس، سعى يسع، عسو، عوس، سعو، سوع، وسع، وعس - أنها لما يمكن أن يكون، وهو جدير وخليق بأن يكون، من قولهم : أعس به - أي أخلق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٠


الصفحة التالية
Icon