ولما بين أن جزاء أولئك الخلود في النار، بين ما لهؤلاء، فقال مفسراً لفوزهم :﴿يبشرهم ربهم﴾ أي المحسن إليم بهدايتهم واجتبائهم.
وناهيك بهذه البشارة الدالة على علو مقامهم لأنها بلا واسطة، وكون البشارة على قدر المبشر دال أنه هذه البشارة بشارة عظيمة لا نهاية لها ولا يحاط بمعرفة مقدارها ﴿برحمة﴾ أى عظيمة، وزادها عظماً بقوله :﴿منه﴾ وذلك إشارة إلى أنه لا نجاة بدون العفو ؛ ثم أخبر بان الرحمة كما اثمرت
٢٩٠
العفو الذي هو أدنى المنازل أسعدت بأعلاها فقال :﴿ورضوان﴾ أي بأن يكون راضياً عن الله للرضى بقضاء الله وذلك يكون إذا قصر نظره على الله فإنه لا يتغير أبداً بقضاء من أقضيته كما أن الله - الذي هو راحمه-لا يتغير، ومن كان نظره لطلب حظ له كان أبداً في تغير من الفرح إلى الحزن ومن السرور إلى الغم ومن الراحة إلى الجراحة ومن اللذة إلى الألم، فثبت أن الرحمة التانة لا تحصل إلا للراضي بقضاء الله ويكون الله راضياً عنه فتكون نفسه راضية مرضية، ولهذا لم يقيده ب " منه " وهذان في الدنيا والآخرة ولما ذكر هذه الجنة الروحانية المنعم بها في الدنيا، أتبعه بيان الجنة الروحانية البدنية الخاصة بالدار التي فيها القرار فقال :﴿وجنّات﴾ أي بساتين كثيرة الأشجار والثمار ﴿لهم فيها نعيم﴾ أي عظيم جداً خالص عن كدر ما، ودل على الخلود بقوله :﴿مقيم*﴾ ثم صرح بخلودهم فيها بلفظ الخلود ليكون أقر للنفس فقال :﴿خالدين فيها﴾ وحقق أمره بقوله :﴿أبداً﴾ ثم استأنف المدح لذلك مؤذناً بالمزيد بقوله :﴿إن الله﴾ أي الذي له الغنى المطلق والقدرة الكاملة ﴿عنده أجر عظيم*﴾ وناهيك بما يصفيه العظيم دالاًّ بالعظم، وخص هؤلاء المؤمنين بهذا الثواب المعبر عن دوامه بهذه العبارات الثلاث المقرونه بالتعظيم والاسم الأعظم، فكان أعظم الثواب، لأن إيمانهم أعظم الإيمان.