ولما كانوا متصفين به، وكانوا لا يغتسلون - ولا يغسلون-ثيابهم من النجاسة، بولغ في وصفهم بها بأن جعلواعينها فقال :﴿نجس﴾ أي وأنتم تدعون أنكم أبعد الناس عن النجس حساً ومعنى، فيجب أن يقذروا وأن يبعدوا ويحذروا كما يفعل بالشيء النجس لما اشتملوا عليه من خلال الشر واتصفوا به من خصال السوء، وأما أبدانهم فاتفق الفقهاء على طهارتها لأن النبي ﷺ شرب من أوانيهم ولم ينه عن مؤاكلتهم ولا أمر بالغسل منها ولو كانت نجسة ما طهرها الإسلام.
ولما تسبب عن ذلك إبعادهم، قال :﴿فلا تقربوا﴾ أي المشركون، وهذا نهي للمسلمين عن تمكنهم من ذلك، عبر عنه بنهيهم مبالغة فيه ﴿المسجد الحرام﴾ أي الذي أخرجوكم منه وأنتم أطهر الناس، واستغرق الزمان فأسقط الجار ونبههم على حسن الزمان واتساع الخير فيه بالتعبير بالعام فقال :﴿بعد عامهم﴾ وحقق الأمر وأزال اللبس بقوله :﴿هذا﴾ وهو آخر سنة تسع سنة الوفود مرجعه ﷺ من غزوة تبوك، فعبربقربانه لا بإتيانه بعد التقدم إليهم بان لا يقبل من مشرك إلا الإسلام أو القتل إشارة إلى إخراج المشركين من جزيرة العرب وانها لا يجتمع بها دينان لأنها محل النبوة العربية وموطن الأسرار الإلهية، فمن كان فيها - ولو في أقصاها - فقد قارب جميع ما فيها، وتكون حينئذ بالنسبة إلى الحرم كأفنية الدور ورحاب المساجد ؛ وفي الصحيح عن ابي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ أرسل أبا بكر رضي الله عنه أميراً على الحج بعد رجوعه من تبوك ثم أردفه بعلي رضي الله عنه
٢٩٦