مع ما فيه من الفخامة - على انه تارة يكون رحمة وتارة يكون عذاباً كما كان على قوم نوح عليه السلام وإن كانت الرحمة فيه أغلب وهي ذات اليمين، وتارة تكون الرياح جامعة لها لحفظ الماء، وتارة مفرقة مبطلة لها، وتارة تكون مقومة للزروع والأشجار مكملة لها وهي اللواقح، وتارة تكون منمية لها أو مهلكة كما يكون في الخريف، وتارة تكون طبية وتارة مهلكة إما بشدة الحرارة والبرودة ؛ ثم غيّ الإرسال بقوله ﴿حتى إذا أقلت سحاباً﴾ أى حملتها لقلتها عندها لخفتها عليها ﴿ثقالاً﴾ أى بالماء ؛ ولما دل على العظمة بالجمع وحقق الأمر بالوصف، أفرد اللفظ دلالة على غاية العظمة بسوقه مجتمعاً كأنه قطعة واحدة، لا يفترق جزء منه عن سائره إذ لو تفرق لا ختل أمره فقال :﴿سقناه لبلد﴾ أى لأجله وإليه ﴿ميت﴾ أى بعد النبات ﴿فأنزلها﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿به﴾ أي البلد، أو بسبب ذلك السحاب ﴿الماء﴾ أي هذا الجنس، واشار إلى عظمة الإنبات بالنون فقال ﴿فأخرجنا به﴾ أي بالماء ﴿من كل الثمرات﴾ أى الحقيقة على الأشجار والمجازية من النبات وحبوبه ولما كان هذا - مع ما فيه من التذكير بالنعمة المقتضية لتوحيده بالدعوة - دليلاً ثانياً في غاية الدلالة على القدرة على البعث، قال تعالى :﴿كذلك﴾ أى مثل ما أخرجنا هذا النبات من الأرض بعد أن لم يكن ﴿نخرج الموتى﴾ أي من الرض بعد ان صاروا تراباً ﴿لعلكم تذكرون﴾ أى قلنا هذا لتكون حالكم حال من يرجي تذكره هذه الآية سبحانه كما قدر على إعادة النبات بجمع الماء له من جوف الأرض بعد أن كان تغيب في الرض وصار تراباً، وأحيى الشجرة بعد أن كانت لا روح لها بإيداع الثمرة التي هي روحها، فهو قادر على إعادة الأشباح وإيداعها الأرواح كما كانت أول مرة، لأنه لا فرق بين الإخرجين
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣


الصفحة التالية
Icon