ولما انقضى هذا القسم حالاًومآلاً، أتبعه سبحانه القسم الآخر بقوله مؤكداً لإنكار الكفار هدايتهم :﴿إن الذين آمنوا﴾ أي أوجدوا هذا الوصف بما لهم من القوة النظرية التي كمالها معرفة الأشياء وسلطانها معرفة الله تعالى ﴿وعلموا﴾ أي وصدقوا دعواهم الإيمان بأن عملوا ﴿الصالحات﴾ بالقوة العلمية التي سلطانها عبودية الله تعالى، والصالح : ما جاء بالحث عليه الأنبياء عليهم السلام ﴿يهديهم﴾ أى على سبيل التجدد والاستمرار ﴿ربهم﴾ أى المحسن إليهم ﴿بإيمانهم﴾ أي بسبب تصديقهم وإذعانهم لمعرفة الآيات التي غفل عنها الذين يأملون البقاء ولا يرجون اللقاء، فقادتهم إلى دار السلام، وهذا كما كان كثير من الصحابة رضي الله عنهم بعد إسلامهم يشتد تعجبهم مما كان من تباطئهم عن الإسلام، وكما ترى انك تخنق على بعض الكلمة فلا يدعك حظ النفس ترى له حسنة، ثم إنك قد ترضى عنه فتراه كله محاسن.
ولما ذكر أم مآل القسم الأول النار، ذكر هذا القسم في معرض سؤال من يقول : ماذا تورثهم هدايتهم ؟ فقيل له :﴿تجري﴾ وأشار إلى قرب منال المياه وانكشافها عن كل ما ينتفع به في غير ذلك بإثبات الجار فقال :﴿من تحتهم﴾ أي تحت غرفهم وأسرّتهم وغير ذلك من مشتهياتهم كقوله تعالى ﴿قد جعل ربك تحتك سرياً﴾ [مريم : ١٤] وكذا قول فرعون ﴿وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ [الزخرف : ٥١] ﴿الأنهار﴾ كائنين ﴿في جنات النعيم﴾ أى التي ليس فيها من غيره.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٨
ولما كان الواجب على العباد أولاً تنزيهه تعالى عن النقائض التبي اعظمها الإشراك.
وكان من فعل ذلك سلم من غوائل الضلال فربح نفسه فعرف ربه وفاز في شهود حضرته بمشاهدة اوصاف الكمال، أشار التسليك في ذلك بقوله :﴿دعواهم﴾
٤٢٠


الصفحة التالية
Icon