ولما ثبت أن ذلك كله حق مباين للسحر الذي مبناه على التخييل، أقبل على الذين تقدم الإخبار عنهم في أول السورة في قوله : أكان للناس عجباً أنهم قالوا إنه سحر، فقال :﴿يأيها الناس﴾ أي الذين قالوا : إن وعدنا والإخبار به سحر ؛ ولما كان بين الأرواح والأبدان حب غريزي بالتعلق، والتذ الروحلذلك بمشتهيات هذه الحياة الدنيا بما انطبع فيه بمظاهر الحس فلم يأته نور العقل حتى تعود النقائض بقوة التعلق فحدثتله أ خلاق ذميمة هي أمراض روحانية، فأرسل ربه الذي أوجده ودبره وأحسن غليه طبيباً حاذقاً هو الرسول ﷺ لعلاج هذه الأمراض.
وأنزل كتابه العزيز لوصف الأدوية، فكان احكم الطب منع المريض عن أسباب المرض، قال تعالى :﴿قد جاءتكم موعظة﴾ أي زاجر عظيم عن التخلي عن كل ما يشغل القلب عن الله من المحظورات وغيرها من كل ما لا ينبغي، وذلك هو الشريعة.
ولما كان تناول المؤذي شديد الخطر، وهو لذيذ إلى النفس بينهما من ملاءمة النقص، وكان الانكفف عنه أشق شيء عليها، رغبها في القبول بقوله :﴿من ربكم﴾ أي المحسن إليكم المدبر لمصالحكم بهذا القرآن ؛ ولما كان أليق ما يعمل بعد الحمية تعاطي الدواء المزيل للأخلاط الفاسدة من الباطن سالماً عن العقائد الفاسدة والأخلاق الناقصة كما سلم البدن من الأفعال الدينة، وهذا هو الطريق.
ولما كانت الروح إذا انصقلت مرآتها فصارت قابلة لتجلي الأنوار عليها بفيض
٤٥٥


الصفحة التالية
Icon